• ×

تاريخ خليج أبحر (1 2)

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
تاريخ خليج أبحر (1 2)
عدنان عبدالبديع اليافي
الأربعاء 27/02/2013
في الماضي القريب وحتى السبعينيات الميلادية كان خليج أبحر «شرم أبحر» رئة جُدَّة التي تتنفس من خلالها. وكان الذهاب إلى (أبحر) عندئذٍ يتطلب استعدادات خاصة، فلم يكن في أبحر بقالات أو محطات بنزين أو غير ذلك. وكانت تفصل جُدَّة عن هذا الشرم صحراء يمر من خلالها الذاهبون إلى أبحر من جُدَّة بجانب مصنع الأسمنت الذي كان يقع قرب موقع سوق حراء بجُدَّة اليوم. وكنا كالكثير من أهل جُدَّة وسكانها نذهب إلى أبحر في معظم عطل نهاية الأسبوع بعد صلاة الجمعة فنقضي أوقاتًا جميلة على شاطئه وفي مياهه. وكنا أنا وأبناء عمومتي نعبر الشرم أحيانًا من جنوبه إلى شماله سباحةً، وكنا نسحب خلفنا إطارات بلاستيكية نربطها بحبال حول أجسامنا ونشدها إلينا عند الحاجة. وعندما تم إنشاء فندق العطاس في أبحر فرح أهل جُدَّة بذلك الفندق الجميل الذي لم تكن جُدَّة تعرف مثله والذي أصبح معلمًا من معالم المدينة.
وكنت في طفولتي أظن أن أهل جُدَّة هم أول من أكتشف هذا الخليج وأول من أطلق اسم (أبحر) عليه، إلا أن الزمن أثبت خطأ ظني ذلك. فمراجعة بعض كتابات الرحالة تثبت أن هذا الخليج أو (الشرم) كما نطلق عليه في جُدَّة كان معروفًا منذ مئات السنين بهذا الاسم. وسنلقي اليوم نظرة سريعة على تاريخ هذا الشرم وما ذكرته بعض المصادر التاريخية عنه بعد أن نُعّرف معنى كلمة شرم ونحدد موقع شرم أبحر.
تعريف الشرم في اللغة:
يُعرف ابن منظور في لسان العرب الشرم فيقول شرم: الشرم والتشريم: قطع الأرنبة وثغر الناقة، قيل فيهما خاصة. ناقة شرماء وشريم ومشرومة. ورجل أشرم بيِّن الشرم: مشرم الأنف ولذلك قيل لأبرهة الأشرم. والشرم: الشِّق. والتشريم: التشقيق وكل شِقِّ في جبل أو صخرة لا ينفذ شرم. والشرْمُ لُجة البحر، وقيل موضع فيه، وقيل: هو أبعد قعره. الجوهري: وشرم من البحر خليج منه. ابن بري: والشروم غَمَراتُ البحر، وأحدها شرم (1).
ويعرف (المنجد) الشرم: بأنه كل شق غير نافذ في جبل أو حائط. خليج صغير: «شرم الشيخ على البحر الأحمر» (2).
ويعرف المعجم الوسيط الخليج بأنه: امتداد من الماء متوغل في اليابس (3).
موقع شرم أبحر:
يقول مؤلفو كتاب (جزر المملكة العربية السعودية) الذي أصدرته هيئة المساحة الجيولوجية السعودية في الفصل الخاص بأهم المعالم البحرية على ساحل المملكة على خليج العقبة والبحر الأحمر: أن شرم أبحر (الكراع) يقع في شمال مدينة جُدَّة بمنطقة مكة المكرمة عند دائرة عرض 07/46/21 وخط طول 40/08/39 (4).
أبحر في المصادر التاريخية:
يقول مؤرخ جُدَّة الأستاذ عبدالقدوس الأنصاري - رحمه الله - في كتاب موسوعة تاريخ مدينة جُدَّة: ومن علامات التقدم العمراني بجُدَّة زحف العمران إلى «أبحر» في أقرب نقطة إلى جُدَّة وهي الناحية الجنوبية، وفي أبعدها وهي الناحية الشمالية. لقد أقيمت الدارات من أسمنتية وخشبية به، في ناحيته فبدت تطوق هذا الخليج الجميل كالسوار يطوق معصم الحسناء (5). ثم يذكر الأنصاري - رحمه الله - شيئًا من تاريخ أبحر فيقول: ولأبحر قصة مجهولة رواها لنا ابن جبير في رحلته فقد كانت مرسى للسفن وكانت مرسى عجيبًا لطيفًا استهوى منظره وجماله الرحالة العربي الأديب، فأضفى عليه وصفًا أدبيًا ممتعًا (6). ويقدم الأنصاري وصفًا لأبحر في الستينات والسبعينات الميلادية وقبل ذلك، كما يحدد موقع أبحر فيقول: وتبعد أبحر هذه عن جُدَّة بنحو 30 كيلومترًا إلى 39 كيلومترًا وتتصل إلى الشرق الشمالي بمسرَبَ منخفض للبحر يتجه إلى الشرق يفيض فيه ماء البحر وقت المد، ويتقلص عنه في وقت الجزر ويعرف بالكُراع لدى الناس فيما مضى وفي الحاضر. وقد عمل مكتب التخطيط في جُدَّة لأبحر خريطة نظمها تنظيمًا حديثًا. والهواء هناك عليل بارد بسبب إحاطة البحر بأبحر من غربه وجنوبه (7).
ويذكر الأنصاري أن العمران هذا لم يكن جديدًا على أبحر بل العمران عاد إليها. يقول الأنصاري في موسوعة تاريخ مدينة جُدَّة: وجدير بالذكر وبالمناسبة أن «أبحر» قد عاد إليها العمران. إذ كان فيها فيما مضى عمران، وذلك في السنوات القليلة الماضية: من سنة 1375هـ إلى سنة 1383هـ التي أتمَّ بها تأليف هذا الكتاب (موسوعة تاريخ مدينة جُدَّة). والماء الذي يروي السكان أو الزوار أو المتنزهين بأبحر لا يزال يُجلب إليها من جُدَّة: وقد وضع لها «مكتب تخطيط المدن» بجُدَّة خارطة فنية، تنظمها، وتزمع البلدية القيام بتنظيمها بموجب تلك الخارطة لتجعل منها شاطئًا ممتعًا، متمتعًا بوسائل الترفيه الحديثة (8).
وجاء ذكر لأبحر في إحدى شذرات الغزاوي - رحمه الله. يقول أحمد بن إبراهيم الغزاوي في الشذرة رقم 681 من شذرات الذهب: وجاء في رسالة الأستاذ العبيدي إلى كاتب هذه الشذرات، تفصيل مفيد عما تساءلت عنه في الشذرة (632) من المنهل الصادر في شهر ربيع الأول 1387هـ فيما يتعلق (بكُراع الغميم وضجنان).. قال أثابه الله: «أما عن ضجنان فالمعروف أنه من الأودية التي تقع قرب «مدينة جُدَّة» - بضم الجيم - شمالًا وجنوبًا، فبعد (كُراع الغميم) يقع (وادي عويمر) وتتدفق سيوله من ضفة الحرة، جنوبًا. ومن الجبال التي تقع عنها شرقًا، ثم تتجه نحو الغرب، وتنصب في خليج (أبحر)، ويصب في وادي عويمر، وادي (أم حبلين) وهو اسم للوادي، ولبئر تقع فيه، وتتدفق سيولة من تلاع وسفوح الجبال التي تقع شمال (وادي بريمان). وتجري نحو الشمال ثم تنصب في وادي عويمر. ويكونان مجرى واحدًا يصب في خليج (أبحر) ويلي ذلك وادي بريمان وهو اسم للوادي المذكور ولجبل أحمر يطل على الوادي، ويحمل نفس الاسم، كما توجد آبار في نفس الوادي تحمل ذلك الاسم وبريمان أكبر من الواديين السابقين.. وتتدفق سيوله من شعاب وسفوح الجبال التي تقع عنه شرقًا وشمالًا، وتجري سيوله نحو الجنوب ثم تتجه نحو الغرب في السهل الواقع شرق مصنع «الأسمنت» ( سوق حراء الدولي اليوم - الكاتب).. وتنصب في روضة تقع شمالية. وعندما يكون السيل غزيرًا يخرج من الروضة ويتجه نحو البحر ويوجد في الوادي المذكور عدد من الآبار والمزارع يملكها «الشيخ هلال العمري». ويرجح الكاتب المجيب أن وادي بريمان قد يكون هو «وادي ضجنان» وان اسمه إنما حُرف مع طول الزمان. إلى آخر ما جاء في الشذرة (9).
نواصل
------------
المصادر:
(1) ابن منظور، محمد بن مكرم: لسان العرب، المجلد الثامن، الطبعة الثالثة، دار صادر، بيروت، (2004)، ص/69.
(2) المنجد في اللغة العربية المعاصرة، دار المشرق، بيروت، الطبعة الثانية، (2001م)، ص/766.
(3) المعجم الوسيط، الطبعة الرابعة، مكتبة الشروق الدولية، القاهرة، (الطبعة الثانية لمكتبةالشروق)، (1426هـ - 2005م)، ص/248.
(4) الغزاوي، أحمد بن محمد وآخرون: جزر المملكة العربية السعودية في البحر الأحمر والخليج العربي، هيئة المساحة الجيولوجية السعودية، جُدَّة، (1428هـ - 2007م)، ص/41.
(5) الأنصاري، عبدالقدوس: موسوعة تاريخ مدينة جُدَّة، المجلد الأول، الطبعة الثالثة، دار مصر للطباعة، القاهرة، (1402هـ - 1982م)، ص/37.
(6) المصدر السابق، ص/37 - 38.
(7) المصدر السابق، ص/38
(8) المصدر السابق، ص 143 - 144.
(9) اليافي، عدنان عبدالبديع، جُدَّة في شذرات الغزاوي، (د. ن)، جُدَّة، (1431هـ - 2010م) ص/148 - 149.

منقول من ملحق الأربعاء بصحيفة المدينة.

بواسطة : hashim
 0  0  7789
التعليقات ( 0 )

-->