• ×

أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما ... وتعليمه الناس الخير

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط

أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما ... وتعليمه الناس الخير

مازن بن عبد الرحمن البحصلي البيروتي

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه .

أما بعد، فقد حثّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم على طلب العلم وتعلّمه وتعليمه للناس كما ورد في عدّة أحاديث، وسيدنا معاوية رضي الله عنه من تلك الفئة التي اهتمّت بتعليم الناس دينهم، وكيف لا يهتم بتعليم الناس دينهم وهو الراوي لحديث النبي صلى الله عليه وسلّم : (( من يُرِد الله به خيراً يفقهه في الدين )) ( رواه البخاري 71 ومسلم 1037 )، وكان قلّما يخطب إلاّ ذَكَر هذا الحديث في خطبته ليحثَّ الناسَ على التفقهِ في الدين ( رواه أحمد (16954) وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة 1196 ) .

ولهذا الصحابي الجليل 136 حديثاً مسنداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم، بعضُها في الصحيحين والسنن الأربعة، وهذا يدلّنا على اهتمامه بنشر العلم والسنة، وقد شهد له أهل عصره بالفقه والأمانة في نقل الحديث، وحدَثَ أنْ شكا غلامٌ لابن عباس إلى ابن عباس رضي الله عنهما أنّ معاوية أوتر بعد صلاة العِشاء بركعة واحدة، فقال له ابن عباس : إنه فقيه، وفي رواية : إنه قد صَحِبَ رسول الله صلى الله عليه وسلّم ( رواه البخاري 3764 و 3765 )، وقال ابن سيرين: كان معاوية لا يُتّهم في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم ( رواه أبو داود 4129 ).

ولم يكن سيدنا معاوية رضي الله عنه من المكثرين من الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم، قال الإمام الدارمي في (( نقضه على المريسي الجهمي )) ( 2 / 632 / ط . الرشد ) : كان معاوية معروفاً بقلّة الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ولو شاءَ لأكثر، إلا أنّه كان يتّقي ذلك ويتقدّم إلى الناس ينهاهم عن الإكثار على رسول الله صلى الله عليه وسلّم ؛ حتى إنه كان ليقول : (( اتقوا الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم، إلا ما كان يُذكَر منها في زمن عمر رضي الله عنه، كان يُخَوِّف الناس في الله )). اهـ .

وقد وفّقني الله عز وجل سنة 1423 هـ إلى تأليف كتيب بعنوان ((صفحات من سيرة أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما)) وطبعتُ منه في مطبعة القماطي في ضاحية بيروت بضعة آلاف نسخة وزّعناها مجّاناً، فإتماماً للفائدة أنقل منه الفصل الذي يتحدّث عن الأحاديث التي رواها سيدنا معاوية رضي الله عنه لتعليم الناس الخير:

1 - تحذيره من التكلم بأمور الغيب بلا استنادٍ إلى الكتاب والسنّة: عن محمد بن جبير بن مطعم قال : بَلَغ معاوية وهو عنده في وفدٍ من قريش أن عبد الله بن عمرو بن العاص يُحَدِّث أنه سيكون ملكٌ من قحطان، فغضب معاوية، فقام فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال : أما بعد، فإنه بلغني أن رجالاً منكم يتحدّثون أحاديث ليست في كتاب الله ولا تُؤثَر عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فأولئك جُهّالكم، فإيّاكم والأمانيّ التي تُضِلُّ أهلها، فإني سمعتُ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلّم يقول : (( إن هذا الأمر في قريش، لا يُعاديهم أحد إلّا كَبَّه الله على وجهه، ما أقاموا الدين )) . ( رواه البخاري (3500) ) .

2 - نهيه عن رواية الأحاديث من غير تثبّت: عن عبد الله بن عامر اليحصبي قال : سمعتُ معاوية رضي الله عنه يقول : إيّاكم وأحاديث، إلاّ حديثاً كان في عهد عمر، فإن عمر كان يُخيفُ الناس في الله عزّ وجلّ، سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهو يقول : (( من يُرِد الله به خيراً يُفّقهه في الدين )) .( رواه مسلم (1037) ) .
فقه الحديث: قال النووي في (( شرح صحيح مسلم )) ( 7 / 114 ) : ومراد معاوية النهي من الإكثار من الأحاديث بغير تثبّت، لِمَا شاع في زمنه من التحدّث عن أهل الكتاب وما وُجِدَ في كتبهم حين فُتِحَت بلدانـهم، وأمرهم بالرجوع في الأحاديث إلى ما كان في زمن عمر رضي الله عنه لضبطِه الأمر وشدَّتِه فيه وخوف الناس من سطوته، ومنعه الناس من المسارعة إلى الأحاديث، وطلبه الشهادة على ذلك حتى استقرّت الأحاديث واشتهرت السنن. اهـ.

3 – تعليمه كيفية وضوء النبي صلى الله عليه وسلّم: عن أبي الأزهر قال : أن معاوية ذَكَرَ لهم وُضوء رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وأنه مسح رأسه بغرفة من ماء حتى يقطر الماء من رأسه أو كاد يقطر، وأنه أراهم وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فلمّا بلغ مسح رأسه وضع كفّيه على مقدّم رأسه، ثم مرّ بهما حتى بلغ القفا، ثم ردّهما حتى بلغ المكان الذي بدأ منه . ( رواه أحمد (16905) وأبو داود (124)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (115) ) .

4 - نهيه عن الركعتين بعد العصر: عن حمران بن أبان، عن معاوية قال : إنكم لتصلّون صلاةً لقد صحِبنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم فما رأيناه يُصَلّيها، ولقد نهى عنها . يعني الركعتين بعد العصر .( رواه البخاري (587) ).

5 – بيانه لحكم صيام يوم عاشوراء: عن حميد بن عبد الرحمن؛ أنه سمع معاوية رضي الله عنه عام حَجَّ على المنبر يقول: يا أهل المدينة، أين علماؤكم ؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : (( هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب الله عليكم صيامه، وأنا صائمٌ، فمن شاء منكم فليَصُم، ومن شاء فليفطر )) . ( رواه البخاري (2003) ومسلم (1129) ) .

6 - نهيه عن الشِّغار: عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج قال : إن العباس بن عبد الله بن العباس أنكَحَ عبدَ الرحمن بن الحكم ابنته، وأنكحه عبدُ الرحمن ابنته، وكانا جعلا صَداقاً، فكتب معاوية إلى مروان يأمره بالتفريق بينهما، وقال في كتابه : هذا الشِّغار الذي نهى عنه رسول الله. ( رواه أبو داود (2075)، وحسنه الألباني في إرواء الغليل (1896) ).

7 – بيانه لتحريم وصل الشعر: عن سعيد بن المسيّب قال : قدم معاوية بن أبي سفيان المدينة آخر قدمة قدِمَها، فخطبنا، فأخرج كُبَّةً من شَعَرٍ، فقال : ما كنتُ أرى أن أحداً يفعل هذا غير اليهود ! وإن النبي صلى الله عليه وسلم سـمّاه الزّور. يعني الوِصال في الشَّعَر. ( رواه البخاري (3488) ومسلم (2127) ).
فقه الحديث: وصل الشعر: أي الزيادة فيه من غيره، كالباروكة وأمثالها.

8 - نهيه عن قيام الرجل للرجل تعظيماً: عن أبي مِجلز قال : خرج معاوية على ابن الزبير وابن عامر، فقام ابن عامر وجلس ابن الزبير، فقال معاوية لابن عامر: اجلس! فإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: (( من أحبَّ أن يَمْثُلَ له الرجال قياماً فليتبوّأ مقعده من النار )). ( رواه أبو داود (5229) والترمذي (2915)، وصححه الألباني ).

9 - نهيه عن وصلِ صلاةٍ بصلاة: عن ابن أخت نمر قال: صليت مع معاوية الجمعة في المقصورة، فلما سلَّم الإمام قمتُ في مقامي فصلّيت، فلما دخل أرسل إليّ فقال: لا تَعُدْ لِما فعلتَ، إذا صليتَ الجُمُعة فلا تَصِلْها بصلاة حتى تكلَّم أو تخرُج، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك، أنْ لا تُوصَل صلاةٌ بصلاةٍ حتى نتكلَّم أو نخرُج. ( رواه مسلم ( 883 ) ).

10 – تعليمه كيفية إجابة المؤذّن: عن أبي أمامة بن سهل بن حُنَيف قال: سمعتُ معاويةُ – وهو جالسٌ على المنبر – أَذَّن المؤذّنُ قال : اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ . قَالَ معاويةُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ . قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ . فَقَالَ معاويةُ: وَأَنَا . فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. فَقَالَ معاويةُ: وَأَنَا . فَلَمَّا أَنْ قَضَى التَّأْذِينَ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنّـي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى هَذَا الْمَجْلِسِ حِينَ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ يَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ مِنِّي مِنْ مَقَالَتِي. ( رواه البخاري (914) ).

بواسطة : مازن بن عبد الرحمن البحصلي البيروتي
 0  0  977
التعليقات ( 0 )

-->