• ×

بَيننا وبَينهم الجَنَائزُ !!

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط

بَيننا وبَينهم الجَنَائزُ !!

قال د. عبد العزيز الحربي في ((لحن القول)) : بَيننا وبَينهم الجَنَائزُ !!

هذه جملةٌ مشهورةٌ ، قالها أوَّل قائليها – فيما قيل – حين موت الإمام الجليل أحمد بن حنبل رحمه الله ، فأرسلها مثلًا للآخرين ، وصار في الناس مَن جَعلها مقياسًا يَزِنُ به قبول الميت عند الله تعالى ؛ فمن كان مشيّعوه أكثر كان ذلك علامةً على رِفْعته ، وكمالِ صلاحه ، وفضلِه على مَنْ سواه .. حقيقةٌ شرعية لديهم لا جدلَ فيها ، ولا مِراء !! وللجُمل الشائعة إذا قارنَ معناها شيءٌ من التعصب وَقْعٌ في النفس يُغلق نافذةَ التفكير ، ويُدهشُ الحِسَّ عن النظر في الواقع ؛ فإن الواقع شاهدُ حقٍّ على خَيبة هذه العبارة ، وأنه لاحَظَّ لها إلا التعصب ، وإن وافقت الواقع في حين من الأحيان ، والداعي لكثرة الحاضرين في الجنائز الشّهرةُ وحدَها ؛ عن حبٍّ ، أو إعجاب . وأما القبول فلا نعرف له ضابطًا معيَّنًا نُميّز به مَن لم يُرزَق القبولَ من المسلمين . وفي الصدّيقين ، والشهداء ، والصالحين من مات ، أو قتل ، ولم يُشيع جنازتَه – إن كان ذلك – إلا عددٌ يسيرٌ . وفي عامة المسلمين مَن حضرها خلقٌ لا يُحصَوْن كثرةً . ولعلّ جنازة الحجاج بن يوسف الثقفي كانت أكثر شهودًا من جنازة سعيد بن جبير ، نعم ، وكانت جنازة أم كلثوم أكبرَ عددًا وأعزّ نفرًا من جنازة شيخ الأزهر في وقتها ، ومن الصالحين الذين آمنوا وكانوا يتقون مَن تَبِعْنا جنائزَهم في نفرٍ لا يزيدون على العشرة ، ورَأَيْنا مِن أهل الضلال من تَبِعَ جنازتَه ملايين .. ويُشبِه هذا جماهير الدعاة ، والخطباء ، والعلماء ؛ فإن كثْرتهم لا سبب لها سوى التميز بنوع من الإلقاء ، والأسلوب ، أو العلم ، أو الحال ، أو كل ذلك ، ولا تلازُمَ بين عَدِم القبول والقلَّة .
الخلاصة :
كثرة المشيّعين في الجنائز ليست هي العلامة الفارقة بين الصالحين وغيرهم .

بواسطة : د. عبد العزيز الحربي
 0  0  879
التعليقات ( 0 )

-->