• ×

الأهمية التاريخية والأثرية لمدينة جدة

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين , الرحمن الرحيم , مالك يوم الدين
اللهم صلّ وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه اجمعين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الأهمية التاريخية والأثرية لمدينة جدَّة
د. فؤاد بن محمد مؤمنة
المصدر: مجلة \"الدرعية\"، العدد الثالث عشر، السنة الرابعة.

مدخل:
يتناول البحث الموقع الحيويَّ والإستراتيجيَّ المتميِّز، الذي حظِيتْ به مدينة جدَّة؛ بوصفِها محطَّة تجاريَّة مهمَّة لتمْوين السفُن بالماء والزَّاد، وبوصْفها مركزًا تجاريًّا رئيسًا فيما يتعلَّق بالتجارة مع مناطق مختلفة منَ العالَم، ممَّا نتج عنه تعرُّض هذه المدينة للتَّهديدات والاعتداءات الخارجيَّة، منذ المراحل التَّاريخية المختلفة القديمة، وحتى القرن العاشر الهجري - السادس عشر الميلادي - كالاحتلال الفارسي والحَبَشي، وكالاعتِداءات البُرتغالية، قبل أن تصبح جزءًا من الدَّولة العثمانية منذ القرن العاشر إلى بداية القرن الرابع عشر الهجري.
ويهدف البحث دراسة الأهميَّة التاريخية والأثرية لمدينة جدَّة، فيما يتَّصل بموضوع السياحة والنَّشاط الإنساني، وأبْعاده المكانيَّة والزمانيَّة في هذه المدينة.
كما يهدف إبْراز أهمِّ المعالِم التَّاريخيَّة الموجودة في هذه المدينة، ومدى إمكانيَّة الاستِفادة منها؛ بوصْفِها إحْدى دعائم السياحة الثَّقافية والتعليميَّة المحلِّيَّة، فمدينة جدَّة تزخر بالعديد من المعالِم التاريخيَّة الإسلاميَّة؛ كالمساجد، مثل: الجامع الكبير، ومسجد عثمان بن عفان - رضي الله عنه - ومسجد الشافعي، ومسجد الحنفي.
وتوجد في جدَّة معالِم تاريخيَّة أُخْرى مهمَّة، مثل: موقع أبرق الرغامة، ومثل: قصر خزام، ومثل: النِّظام المائي المعروف بعين فرج يسر، ومثل: السور المحيط بمدينة جدة، وغيرها من المعالِم التاريخية الملحوظة، التي تبرز الأهمية التاريخية لهذه المدينة.
ويخلص البحثُ إلى أهميَّة وضرورة الاستفادة مِن تلك المعالِم التاريخية المختلفة لأغراض سياحيَّة واقتصاديَّة وثقافيَّة وتعليميَّة، للأفراد والطُّلاب والباحثين، والجاليات المُقيمة والزائرين بالمملكة العربية السعودية بشكْلٍ عامٍّ، ومحافظة جدة على وجه الخصوص.

الأهمية التاريخيَّة والاقتصاديَّة:
تقع جدة على الساحل الشرقي للبحر الأحمر على خط طول 21 - 30 شمالًا، وخط عرض 16 - 19 شرقًا في المنطقة الغربية للمملكة العربية السعودية[2].
ولمدينة جدة أهمية تاريخية، ترجع إلى حقبة ما قبل الإسلام، فقد أشار إليْها المؤرِّخ الإسلامي البكري الأندلسي، بأنَّها كانتْ موطِنًا لقبيلة قُضاعة التي استقرَّت بها؛ حيثُ استفادتْ من أراضيها السهْليَّة الساحليَّة لرعْي مواشيها، كما أشار هذا المؤرِّخ إلى أنَّ منَ المرجَّح أن يكون السَّبب الرئيس في تسمِيتها باسم جدة هو: أنَّ أحد أجداد قبيلة قُضاعة كان يُدْعى بهذا الاسم، وهو جدَّة بن جرح بن ربان بن حلوان[3]، كذلك أشار إلى جدَّة المؤرِّخ الإسلامي ابن حوقل النصيبي، بأنَّها ميناء لسكَّان مكَّة، وبأنَّها تميَّزت بِتجارتِها الواسعة، وبثرائها الملحوظ الرَّئيس؛ إذ قامتْ واعتمدتْ تلك التجارة المزدهِرة على نشاطات الجالية التِّجارية الفارسيَّة، التي استقرَّت بها[4].
ونتيجة لأهمية مينائها في التجارة البحرية، احتلَّتها الإمبراطورية الفارسيَّة في حوالي منتصف القرن السَّادس قبل الميلاد، وخضعتْ للاحتِلال الحبشي في حوالي عام 183هـ/799م، كما تعرَّضتْ للتَّهديدات والاعتِداءات البرتغاليَّة في حوالي عام 948هـ/1541م[5].
وظهرتْ أهميَّة جدَّة للمُسلمين، حيث أصبحتْ ميناء في عهْد الخليفة عُثمان بن عفَّان - رضِي الله عنْه - حيثُ تمَّ في عهْدِه إعادة بناء المدينة ومينائِها في حوالي عام 26هـ/ 646م؛ لتصبحَ ميناءً لمكَّة بدلاً من ميناء الشعيبة[6]، الذي كانت تستخدِمُه السفن التجارية لدولَتَي الرومان والحبشة في التِّجارة مع مكَّة المكرَّمة[7]، وبرزت أهميَّة جدَّة في العصر المملوكي؛ إذ تمثَّلت اهتمامات الحكَّام المماليك في حماية الحرمَين الشريفين، وفي تأمين طرُق الحج، هذا بالإضافة إلى أنَّ جدَّة كانت تعد مرفأً تجاريًّا حيويًّا ومهمًّا[8]، وقد خضعتْ تلك المدينة للنُّفوذ العثماني؛ إذ كانت تَحظى بموقع حيويٍّ وإستراتيجي؛ بوصْفها محطَّة بحرية مهمَّة لتموين السُّفن التجارية بالماء والزَّاد[9].
لقد تزايدَ الاهتمام الأوروبي بتِجارة البحر الأحمر خلال القرْن الثاني عشر الهجري (الثامن عشر الميلادي)؛ نتيجة ظُهُور أهمِّيَّة البُنِّ اليماني؛ إذ أصبح سلعةً تِجاريَّة دوليَّة مميَّزة، زاد الطَّلب عليْها، كما برزت الأهميةُ المتزايدة للبحر الأحمر للدُّول الاستعماريَّة، لا سيَّما إنْجلترا فيما يتعلَّق بكوْن هذا البحر طريقًا مهمًّا يؤدِّي إلى الهند؛ نظرًا لسهولة الوصول إلى الهند عَبْر البحْر الأحمر، لا سيَّما بعد افتِتاح قناة السويس؛ إذ أصبح ذلك البحْر في النصف الثاني من القرْن الثَّالث عشر الهجري (التاسع عشر الميلادي) مسارًا بحريًّا حيويًّا في التِّجارة البحريَّة الدوليَّة[10].
وتَمَثَّل النَّشاط التِّجاري الدولي لجدَّة في: تِجارة الاستيراد والتَّصدير، وتِجارة الترانزيت، التي كانت تُعَد محورًا بارزًا في العلاقات التجاريَّة بين ميناء جدَّة وبين الموانئ المحلية الأخرى على البحر الأحمر والخليج العربي، أو الموانئ الدوليَّة بِمصر والهند والساحل الإفريقي؛ مما نتج عنه ازدهار ملحوظ للتِّجارة المحليَّة المتَمَثِّلة في البيع والشراء في الأسْواق التِّجارية في جدة، وكذلِك فيما بين جدَّة، وبين الموانئ التَّابعة لها، مثل: رابغ والليث، فقد كان للتِّجارة المحليَّة البحريَّة أهميَّة ملحوظة فيما يتعلَّق بالازدِهار الاقتِصادي؛ إذ تمثَّلتْ تلك الأهميَّة في العلاقات التِّجاريَّة بين ميناء جدَّة، وبين موانئ: ينبع، ورابغ، والليث؛ إذ كان ميناء الليث يعدُّ ميناء مهمًّا لتصدير الجُلُود، وظهرت أهمية ميناء ينبع في تصدير المحاصيل الزراعية؛ مثل: الحبوب (القمح، والشعير، والذرة، وغيرها) والتمور، كما تميَّز هذا الميناء بعلاقاته التِّجارية الوثيقة مع الموانئ المصريَّة الواقعة على السَّاحل الغربي للبحر الأحْمر[11]، وينبغي أن نُشيرَ إلى أنَّ ميناء جدَّة كان مرْكزًا تِجاريًّا رئيسًا لتخْزين وتوْزيع السِّلع التِّجارية الدوليَّة المتنوِّعة؛ كالهنديَّة والعربيَّة القادِمة منَ اليمن، والأجزاء الأخرى من شِبْه الجزيرة العربيَّة؛ كالحجاز، وعسير، ونَجد، والتي كانتْ تُوَرَّد إلى الموانئ المصرية، كما برزتْ أهمية ذلك الميناء بوصْفه محطَّة تجارية مهمَّة لنقْلِ السلع المصرية والأوربية إلى الموانئ الأخرى على البحر الأحمر، في الحجاز والأجزاء الأخرى من شبه الجزيرة العربية، واليمن، وبلاد الشام؛ بواسطة القوافِل التجارية[12].
وتميَّزتْ جدَّة بوجود ثلاثة أنواع منَ الأسْواق التِّجارية للبيع والشِّراء في مختلف البضائع، وهي الأسواق المحليَّة، وتُعَدّ من أبرز الأسواق، لا سيما في القرن الثالث عشر الهجري (التاسع عشر الميلادي)، والأسواق الرسْمية والأسواق السنوية، كما تميَّزت تلك المدينة بوُجُود جاليات تِجارية أجنبيَّة من مناطق مختلفة من العالَم، مثل: مسقط، والبصرة، وبلاد الشَّام، واليونان، والشَّمال الإفريقي، ومالي، والهند، وكانت تلك الجاليات تمارس نشاطات تجارية مختلفة[13]، ومن أهم الموانئ التجارية على البحْر الأحمر وخليج السويس، التي كانت ترتبِط بعلاقات تجارية مع ميناء جدَّة: ميناء القصير على خليج السويس، وميناء مُصوَّع على البحر الأحمر في إرتريا، وميناء سواكن على البحر الأحمر في السودان، وميناء ينبع على البحر الأحمر في المملكة العربية السعودية[14].
وتنبغي الإشارة إلى أنَّه وُجِدَت في جدَّة صناعات ارتبطتْ بالنَّشاطات الاقتِصاديَّة، التي كان يشتغل بها السكَّان، والمتمثِّلة في الحِرَف المتعدِّدة التي تميَّزت بها هذه المدينة وارتبطت بالحياة المعيشيَّة للسكَّان، ويأتي في مقدِّمة تلك الحِرَف، حِرْفة الصَّيد البحري، ونقل البضائع من السفن التِّجارية الكبيرة إلى مرفأ جدَّة[15].
فقد كانت الشُّعَب المرجانيَّة الموجودة في أجْزاء متعدِّدة من أعْماق البحر الأحمر - تُعدُّ من الأخطار الجسيمة والعوائق البارزة للسُّفن التجاريَّة من الرسو في الميناء؛ ونتيجة لتلك الأسباب الرئيسة ظهرتْ صناعة المراكب الشراعيَّة، التي عُرفت باسم \"السنابيك\"، وتصنع من الأخشاب المحلية والمستوردة من السويد وإندونيسيا؛ إذْ كانت تلك القوارب تُستخْدم لنقْل البضائع والرُّكَّاب من السفن الراسية بعيدًا عن الميناء إلى مرفأ جدَّة[16].
المعالِم التاريخية المهمَّة:
يوجد بجدَّة العديد منَ المعالِم التاريخيَّة الإسلاميَّة، مثل: الجامع الكبير، ومسجد عثمان بن عفان - رضي الله عنه - وهما من أقْدم المساجد في جدة؛ إذ شُيد الجامع الكبير في حوالي عام 940هـ/ 1533م[17]، ويوجَد بِها مسجد الشافعي، ومسجد الحنفي[18]، وهو المسجد الذي كان الملك عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - يؤدِّي فيه صلاة الجمعة[19].

1- المخزن الحكومي (الشونا):
ومنَ المعالِم التاريخية التي تميزتْ بها مدينة جدة المستودع (المخزن) الحكومي، الذي كان يُعرف باسم (الشونا)، وكان يُستَخدَم لتخزين السِّلَع المتنوعة، كالمواد الغذائية والأسلحة وغيرها؛ لتموين الجنود وسكان المدينة[20]، وتظهر بقايا هذا المبنى الذي شُيِّد من أحْجار مرجانية كبيرة الحجم، وأقيم على شكل عقود وأقْبية، ومنَ المرجَّح أنَّ تاريخ بنائه يرجِع إلى الربع الأخير من القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي) في عهْد صلاح الدين الأيوبي، منذ حوالي سبعمائة عام، وأعيد بناؤُه في بداية القرْن السَّادس عشر الميلادي - حوالي القرن الحادي عشر الهجري - وهي الحِقْبة التَّاريخيَّة التي بدأتْ فيها الاعتِداءات البرتغالية على مدينة جدَّة[21].

2- عين فرج يسر:
وتُعَدُّ المنشأة المائيَّة التي عُرفت باسم: عين فرج يسر، منَ المعالِم التاريخيَّة البارزة، التي تميَّزت بها مدينة جدَّة؛ إذْ تُمَثِّل هذه المنشأة نظامًا مائيًّا يشتمِل على خزَّان (صهريج) لتخْزين وتوزيع المياه لسكَّان جدَّة، فقد كانت المياه ترِد إلى العين من مصادرها في وادي قوص على بعد حوالي (15 كيلو مترًا)[22].
وقد شُيدت هذه المنشأة المائيَّة - المتمثِّلة في الصِّهريج والقناة - في عهْد السلطان المملوكي قانصوه الغوري، وتمَّت صيانتها فيما بعدُ في عهد السلطان العثماني سليم الأوَّل في عام 933هـ/ 1517م، ثم طُمرت تلك العين إلى أن تمَّتْ إعادةُ بنائها مرَّة أُخرى فيما بعد عام 1270هـ/ 1853م، بدعْم مالي من أحدِ التجار الأثرياء في مدينة جدَّة، وهو المدعو فرج يسر الذي أبدى اهتمامًا ملحوظًا بِهذه العيْن، وبأهميَّة وضرورة الاستِفادة منها، التي استمَّرت حتى عام 1340هـ/ 1921م[23].
وقد أظهرت التنقيبات العلميَّة - التي قامتْ بها إدارةُ المحافَظة على منطقة جدَّة التاريخيَّة، التَّابعة لأمانة مُحافظة جدَّة - هذه المنشأةَ المائيَّةَ التي كانت مطمورةً تحت الأرض بحوالي (8 أمتار)؛ إذْ تشتمل هذه المنشأة على صِهْريج وسبعةٍ من العقود التي شُيدت فوق أحواض مائية متَّصلة بقناة مائية، كما أنَّ أحد هذه العُقُود قدِ استخدم كمجلس للمشرف على توْزيع المياه في هذه العين[24].

3- المنازل التاريخيَّة:
شُيدت البُيُوت القديمة في جدَّة في معظمها من الحجر المنقبي (الحجر المرجاني)، وكانت الرواشين والمشربيات تُصنع منَ الأخشاب الثَّمينة، التي كانت تُوَرد من شرق آسيا (الهند وإندونيسيا)، كما نُقشتْ على تلك الأجزاء الخشبيَّة - لا سيَّما الأبواب - عناصر زخرفيَّة متعدِّدة ومتنوِّعة، كالأشْكال الحيوانيَّة والنباتيَّة والهندسيَّة، حيث ظهرت على تلك النقوش الزخرفيَّة تأثيراتٌ فنيَّة خارجيَّة من أوربا، ومصر، وسوريا، والهند، وغيرها؛ نتيجة للعلاقات التجارية الدولية التي كانتْ قائمةً بين مدينة جدَّة، وبين تلك الدول[25].
ويُعدُّ بيت نصيف الذي شُيد في الحقبة من عام 1289 - 1298هـ (1872 - 1881م) - نموذجًا متميِّزًا لأسلوب العمارة الذي كان سائدًا في تلك الحقبة التاريخية؛ إذ تميَّز بتعدُّد طوابقه وحجراته، وبالكثير من الأجزاء الخشبيَّة؛ كالنَّوافذ، والرواشين، والأبْواب التي نُقِشت عليها عناصر زخرفيَّة متعدِّدة ومتنوعة، وشيدت جدران البيت منَ الحجر المنقبي، الذي قطِّع إلى أجزاء مربَّعة الشكل[26]، ويعدُّ بيت المال أيضًا منَ البيوت التاريخيَّة التي تميَّزت بها جدَّة؛ إذ شُيد منذ حوالي مائتي عام، ووُجِد به صهريج مائِيّ شُيِّد تحت البيت؛ بغرض حِفْظ مياه الأمطار والاستفادة منها[27].

4- سور جدة:
ومن أهمِّ المعالِم التاريخيَّة التي تميَّزتْ بها مدينة جدَّة السُّور الذي كان يُحيط بالمدينة، والذي لا تزال أجزاءٌ منه بقايا إلى الآن؛ إذ شُيد ذلك السور منذ حوالي عام 911هـ/ 1505م؛ بِغَرض حِماية تلك المدينة منَ الأخْطار الخارجيَّة المتمثِّلة في التَّهديدات والاعتِداءات البرتغاليَّة، وبغرَض حماية الأراضي المقدَّسة، والحرمَين الشَّريفين، ومنطقة البحر الأحمر[28].
لقد تعرَّضتْ هذه المدينة للاعتِداءات البرتغاليَّة في بداية القرن العاشر الهجري - بداية القرن السادس عشر الميلادي - على حِقْبتين؛ الأولى: في عام 910هـ/ 1506م، والثَّانية: في عام 927هـ/1520م، لا سيَّما بعد اكتِشاف طريق رأْس الرَّجاء الصَّالح، حيثُ برزت الأهمية المتميِّزة لمدينة جدَّة كمحطَّة بحرية مهمَّة على البحر الأحمر[29].
وينبغي الإِشارة إلى أنَّ ذلك السُّور قد شُيد في عهد السُّلطان المملوكي قانصوه الغوري؛ حيث وُجِد نقشٌ على أحد أبْواب السُّور يُشير إلى اسْم هذا السُّلطان الذي أقامَهُ، كما شُيدت بجانب ذلك السور ثكنة (حامية) عسكريَّة؛ بغرض حَماية السور والمدينة[30]، ويَحتوي السُّور على ستَّة أبراج، وستَّة أبواب[31].

5- قصر خزام:
ويُعَدُّ هذا القصر الملكي أحَدَ المعالِم البارزة في مدينة جدَّة؛ إذ شُيِّد في الحقبة من 1347 - 1351هـ/1928 - 1932م، كما استخدم مَقَرًّا للحكم، للملك عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - وكذلك لاستِقْبال الضيوف، كما أنَّ القصر يُمَثِّل أسلوبًا معماريًّا مميزًا في البناء؛ إذ يمتاز بفخامة أجزائه التي شُيدت منَ الحجر، وبحجراته الواسعة، وبالارتفاع الملحوظ لأسقفه[32].

6- موقع أبرق الرغامة:
ويقع إلى الشَّرق من مدينة جدَّة على بعد حوالي (12 كيلو مترًا)، في وادٍ وجدت به عين ماء، عرفت باسم: عين الرغامة[33]، ويتميَّز بكونه أحد المعالِم التاريخيَّة المهمَّة في مدينة جدَّة، كما أنَّه يرتبط بإحْدى المراحل التاريخية المتميِّزة من تاريخ المملكة العربيَّة السعوديَّة، والمتمثِّلة في توحيد المملكة؛ حيث إنَّ موقع أبرق الرغامة هو المكان الذي استقرَّ فيه الملك عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - ورجاله لمدَّة محددة، قبل أن تعلنَ مدينة جدَّة ولاءها للحُكْم السعودي الزَّاهر، وقبل أن تنضمَّ هذه المدينة كمثيلاتِها تحت راية التَّوحيد، ولتصبح جزءًا من هذا الكيان المتميِّز (المملكة العربيَّة السعوديَّة)، وتنبغي الإشارة إلى أنَّ جدَّة كانت المدينة التي اتَّخذ منها الملك عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - عاصمةً سياسيَّة لملكه في عام 1344هـ/1925م، ولعدَّة سنوات قبل أن تحلَّ محلَّها مدينةُ الرِّياض، التي أصبحت فيما بعدُ عاصمةً للمملكة العربية السعودية[34].

الخاتمة
لقد أظهر هذا البحث الأهميَّة المتميِّزة لمدينة جدَّة، التي حظيتْ بمقومات ملحوظة من أهمها: الموقع الحيوي والإستراتيجي بوَصْفِها محطَّة بَحرية وجويَّة بارِزة، وبوصْفِها مركزًا تجاريًّا حيويًّا، وبصفتها بوَّابة رئيسة للحرمَين الشَّريفين (مكَّة المكرَّمة)، و(المدينة المنوَّرة)، ويتَّضح منَ البحث أنَّ لمحافظة جدَّة أهميَّةً تاريخيَّة ملحوظة فيما يتعلَّق بالمجال السياحي.


فجدَّة تحتوي على معالِم تاريخيَّة وإسلاميَّة، تتمثَّل في المنشآت المتعدِّدة والمختلفة، مثل: المساجد، والبيوت، والمعالم التاريخية الأخرى المهمَّة، وكذلك المتاحف، والمراكز العلميَّة والتعليميَّة، التي يُمكن الاستِفادة منها؛ لأنَّها تعدُّ إحْدى دعائم السياحة الثَّقافية والتعليميَّة.
وإنَّ أهمَّ المقترحات والتوصيات التي يُمْكن أن تُقَدَّم من خلال هذا البحث تتضمَّن ما يلي:
أوَّلاً: إنشاء كلية السياحة والفندقة بجامعة الملِك عبدالعزيز بجدَّة، لتدْريس السياحة والفندقة، وتخريج الكوادر المتخصِّصة، والمؤهَّلة للعمل في القِطاع السِّياحي، فمجال السِّياحة يُعَدُّ أحد التخصُّصات المهمَّة، ويعدُّ أيضًا رافدًا حاضرًا ومستقبلاً للاقتِصاد الوطني.
ثانيًا: إقامة المهْرجانات التَّسويقيَّة الموْسِميَّة في فصْلَي الصَّيف والرَّبيع؛ لجذْب السيَّاح المحليِّين والزَّائرين من خارج جدَّة؛ بغرَض التسوُّق، وزيارة المعالم التاريخيَّة والحضاريَّة في محافظة جدَّة.
ثالثًا: تنظيم المسابقات المحليَّة والإقليميَّة والدَّوليَّة المتعلِّقة بالأنشِطة البحرية، مثْل: مسابقات السباحة، وسباق القوارب، والتجديف، وغيرها.
رابعًا: إقامة المؤتمرات العلميَّة والاقتصاديَّة وغيرها المتعلِّقة بالمؤسَّسات التعليميَّة، مثل: جامعة الملك عبدالعزيز، ووزارة المعارف، أو التي تتعلَّق بالإدارات الأُخرى، مثل: الغرفة التجارية الصناعيَّة بجدة وغيرها؛ إذ تتوافر في مدينة جدَّة الإمكانات المميزة والملائمة لإقامة وتنظيم المؤتَمرات الدوليَّة، وحضور العدد الملحوظ منَ المشاركين فيها.
خامسًا: الاهتمام بالتُّراث الشعبي، وإقامة المهرجانات المتعلقة به.
سادسًا: إبْراز المعالم المتميِّزة في جدَّة التاريخيَّة والحضاريَّة، والمجسَّمات الجماليَّة، والميادين المهمَّة والمميزة بتصويرها فوتوغرافيًّا، وجعْلها متاحةً للسُّيَّاح والزَّائرين، بوضْعِها في المكتبات والأسواق والمراكز التِّجاريَّة الرئيسة في المحافظة.
سابعًا: عمل خرائط وكتيبات توضيحية لمحافظة جدَّة، توضَّح فيها المعالِم التاريخية والحضارية والأسواق والمراكز التجارية والفنادق والمرافق الرئيسة، كما توضح كيفية الوُصُول إليها، وتزْويد القنصليات الأجنبية في جدَّة، وكذلك سفارات وقنصليَّات خادم الحرمين الشريفين في جميع أنحاء العالَم بتلك الخرائط والكتيبات؛ لإبْراز الإمكانات المتعدِّدة والمختلفة التي تَتَمَيَّز وتحظى بها محافظة جدة.
ثامنًا: الاستِفادة منَ اللائحة الحكومية الجديدة، المتعلِّقة بتنظيم خدمات المعتمرين والزائرين القادمين من خارج المملكة العربية السعوديَّة، وكذلك الاستفادة من قرار مجلس الوزراء السعودي الموقَّر، المتعلق بإصدار التأشيرات السياحية، وفْق ضوابط معيَّنة، بإقامةِ شركات نقْل تتميَّز بإمكانات ممتازة؛ لنقْل السيَّاح المسلمين من مطار الملك عبدالعزيز الدولي، أو من ميناء جدَّة الإسْلامي، أو منَ الفنادق المنتشِرة في المحافظة، إلى الحرَم المكي الشَّريف في مكَّة المكرَّمة، أو إلى الحرَم النبوي الشَّريف في المدينة المنوَّرة، أو إلى المعالِم التَّاريخية والحضريَّة والاقتصادية والصناعية في محافظة جدة، ممَّا سيكون له الأثر الفعال - بإذْن الله - في جلْب السيَّاح المسلمين أو غير المسلمين إلى المحافَظة؛ نتيجة لموقع مدينة جدَّة الحيوي والإستراتيجي المتميِّز؛ بصفتها بوَّابة رئيسة للحرمَيْن الشَّريفين، ومعبرًا مهمًّا إلى المناطق والمدُن الأخرى في داخل المملكة العربية السعوديَّة.
ويَجب الإشارة إلى أنَّ تلك التوصيات والمُقتَرَحات المقدَّمة في هذا البحث، يجب أن ترتبِط ارتباطًا وثيقًا بتعاليم دينِنا الإسلامي الحنيف، ووفْق عاداتنا وقِيَمنا الإسلامية الكريمة، وكذلك وفْق الأنظِمة والتعليمات الحكوميَّة الرسمية للمملكة العربيَّة السعوديَّة.

______________________________
قائمة المصادر:
1- البكري الأندلسي (عبدالله بن عبد العزيز): معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع، ج1، حققه: مصطفى السقا، بيروت، عالم الكتب، (بدون تاريخ).
2- ابن حوقل (النصيبي): صورة الأرض، ج1، ليدن، هولندا، مطبعة بريل، 1938م.
أولاً: المراجع العربية:
1- الأنصاري، عبدالقدوس: موسوعة تاريخ مدينة جدة، ج1، جدة، مطابع الروضة، 1401هـ/1980م.
2- البتنوني، محمد لبيب: الرحلة الحجازية، الطائف، مكتبة المعارف (بدون تاريخ).
3- الغامدي، عبدالرحمن محمد: تقرير موجز عن أهم المعالم التاريخية والحضارية بمدينة جدة، جدة، مكتب الآثار، متحف جدة الإقليمي، 1420هـ/1999م.
4- المعبدي، مبارك محمد: النشاط التجاري لميناء جدة خلال الحكم العثماني، (1256/1840م- 1335هـ/1916م)، جدة، النادي الأدبي الثقافي، 1413هـ/1993م.
5- أمانة مدينة جدة: جدة القديمة والمعاصرة، جدة، (بدون ناشر)، 1415هـ/1995م.
6- علي، جواد: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، ج4، بغداد، جامعة بغداد، 1413هـ/1993م.
7- كابلي، وهيب: الحرفيون في مدينة جدَّة، جدة، أمانة محافظة جدة، 1417هـ/1996م.
ثانيًا: المراجع الأجنبية:
- Jeddah Historical Area Presevation Department: The Legacy Of Old Jeddah: Past and Present. Jeddah: Muncipality of Jeddah.
(N. D).


الحواشــــي:
[1] بكالوريوس في الدراسات الإنسانية - تخصُّص آثار وحضارة - من الولايات المتحدة الأمريكية عام 1392هـ.
- حصل على درجة الماجستير الأولى (M.A. ) في الدراسات الإنسانية - تخصُّص آثار وحضارات منطقة الشرق الأوسط - من الولايات المتحدة الأمريكية عام 1395هـ.
- حصل على درجة الماجستير الثانية (M. PBIL. PEGREE ) - تخصُّص آثار وحضارات شِبْه الجزيرة العربية قبل الإسلام - مِن جامعة لندن في بريطانيا عام 1411هـ.
- دكتوراه في التاريخ من جامعة الملك عبدالعزيز بجدة في عام 1420هـ.
- يعمل الآن أستاذًا مُساعدًا بقسم التاريخ في كلية الآداب جامعة الملك عبدالعزيز - جدة.
[2] مبارك محمد العبدي: \"النشاط التجاري لميناء جدة خلال الحكم العثماني\" (1256هـ/1840م - 1335هـ/1916م)، جدة، النادي الأدبي الثقافي، 1413هـ/1993م، ص49.
[3] البكري الأندلسي، (عبدالله بن عبدالعزيز): \"معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع\"، ج1، حققه: مصطفى السقا، بيروت: عالم الكتب، (بدون تاريخ)، ص17.
[4] محمد بن حوقل (النصيبي): \"صورة الأرض\"، ج1، ليدن، هولندا: مطبعة بريل، 1938م، ص31 - 32.
[5] عبدالقدوس الأنصاري: \"موسوعة تاريخ مدينة جدة\"، ج1، جدة، مطابع الروضة، 1401هـ/1980م، ص31، 60، 89 - 90.
[6] محمد لبيب البتنوني: \"الرحلة الحجازية\"، الطائف، مكتبة المعارف (بدون تاريخ)، ص5.
[7] جواد علي: \"المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام\"، ج4، بغداد، جامعة بغداد، 1413هـ/1993م، ص115.
[8] المعبدي: المرجع السابق، ص60.
[9] الأنصاري: المرجع السابق، ص96 - 97.
[10] المعبدي: المرجع السابق، ص450، 455.
[11] المعبدي: المرجع السابق، ص456- 457.
[12] المعبدي: المرجع السابق، ص452- 453.
[13] المعبدي: المرجع السابق، ص262- 268.
[14] المعبدي: المرجع السابق،/ 1993م، ص309.
[15] وهيب كابلي: \"الحرفيون في مدينة جدة\"، جدة، أمانة محافظة جدة، 1417هـ/1996م، ص88.
[16] كابلي: المرجع السابق، ص88.
[17] المعبدي: المرجع السابق، ص56- 57.
[18] الأنصاري: المرجع السابق، ص484.
[19] أمانة مدينة جدة، جدة القديمة والمعاصرة، جدة، أمانة مدينة جدة، 1415هـ/1995م، ص69.
[20] Jeddah Historical Area Preservation Department, The Legacy of Old Jeddah: Past and Present. Jeddah: Munciqality of Jeddah, (N. D.) P. 37. )
[21] Jeddah Historical Area Preservation Department, P. 37.
[22] الأنصاري: المرجع السابق، ص80- 84.
[23] الغامدي: المرجع، ص4.
[24] Jeddah Historical Area Preservation Department, P. 37.
[25] Jeddah Historical Area Preservation Department, P. 49, 53.
[26] الغامدي: المرجع السابق، ص2.
[27] Jeddah Historical Area Preservation Department, P. 53.
[28] المعبدي: المرجع السابق، ص51.
[29] Jeddah Historical Area Preservation Department, P. 60- 61.
[30] المعبدي: المرجع السابق، ص55- 56.
[31] Jeddah Historical Area Preservation Department, P. 60.
[32] أمانة مدينة جدة، جدة القديمة والمعاصرة، جدة: أمانة مدينة جدة، ص69.
[33] الغامدي: المرجع السابق، ص6.
[34] Jeddah Historical Area Preservation Department, P20.


بواسطة : hashim
 0  0  10026
التعليقات ( 0 )

-->