• ×

أثر الحضارة الإسلامية في الغرب

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
أثر الحضارة الإسلامية في الغرب


الإسلام بعالميته بزع ليعيد تشكيل الحياة الإنسانية من جديد وبخاصة على مستوى الأفكار والمشاعر الإنسانية .
فمن ناحية الأفكار فقد وجه أتباعه نحو الاهتمام بالعلم والمعرفة مما عاد بمردود طيب على الحركة العلمية من وجوه عده أبرزها الأتي:
أولاً : إن نشر الدين كان يستتبع الحاجة إلى القراء او الكتاب حيث كانت آيات الكتاب الحكيم تنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتلوها من يعرف القراءة و على من لا يعرفها مع الفارق في الاستيعاب والحفظ بين الفئتين . وكان المصطفى صلى الله عليه وسلم يحث على تشجيع تعلم القراءة والكتابة .
بل أن المصطفى عليه آفضل الصلاة والسلام حث بعض أصحابه على تعلم لغة غير اللغة العربية ، فأخذت روح العلم تنتشر تبعاً لذلك .
تضمت آيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم الكثير من التوجيهات المباشرة التي تحث على طلب العلم وترفع من قيمة العلم والعلماء قال تعالي : قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ 
ثانياً : دعت آيات القرآن الحكيم العقل إلى التفكير في خلق الكون والوصول إلى شواطئ المعرفة والايات الكريمة التي وردت في هذا الشأن كثيرة متعددة الجوانب ومنها قوله تعالي إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ 
ثالثاً : تميزت تشريعات الإسلام بأنها ترتقي بالمستوى العقلي لمتلقي هذا الدين حيث نظمت جوانب الحياة المختلفة وفق قواعد عامة تمكن من استيعاب المتغيرات الحياتية المختلفة ، وتوجيهها بما يحافظ على المقاصد العامة للشريعة ، والتي تهدف إلى الحفاظ على الدين والنفس والمال والعقل والعرض .
وقد استفادت الحضارة الإسلامية من الحضارات السابقة سواء تلك التي انضوت تحت مظلة الحضارة الإسلامية او تواصلت معها واحتكت بها .
فالمنطقة التي نشأت فيها الحضارة الإسلامية ، هي المركز الأساسي والمجمع الرئيس لمعظم الحضارات الأساسية القديمة فقدماء المصريين أحرزوا تقدماً ملموساً في علوم الفلك والحساب والطب والصيدلة والهندسة والزارعة وغيرها ، كما أنهم مهروا في الرسم والنحت والعمارة والتحنيط . ولهم باع طويل في التعدين والصناعة بأنواعها المختلفة .
وعرفت بلاد الهلال الخصيب حضارات متعددة تركت موروثاً كبيرا في الطب والهندسة والزراعة والصناعة والتنظيمات التجارية .
واستفادت الحضارة الإسلامية خلال عصورها المختلفة من الحضارات المحيطة بها مثل الحضارة الاغريقية والهندية . وغيرها وذلك عن طريق الترجمة إلى العربية
تضافرت العوامل السابقة مع بيئة علمية مناسبة ، ففي العصر الذهبي للحضارة الإسلامية اعتنى كثير من الخلفاء
والعلماء بالحركة العلمية ، وهيأوا الجو الصالح لازدهار العلم وإبداع العلماء ، أنشئوا لذلك مؤسسات علمية متنوعة مثل المدارس والمكتبات وغيرها ، وبذلوا الكثير للحصول على المؤلفات والمصنفات بأنواعها المختلفة ، كما بذلوا الكثير من الأموال على العلماء الذين سموا بمكانتهم ورفعوا من قدرهم ، فقربوهم في مجالسهم . فالخليفة المأمون على سبيل المثال كان يعطى حنين بن اسحاق وزن الكتب التي يترجمها ذهباً . و السلطان مسعود الغزنوي أرسل إلى البيروني ثلاثة جمال تنوء بأحمالها من الفضة مكافأة له على كتابه ( القانون المسعودي) ولكن البيروني اعتذر عن قبولها بقولة إنه يخدم العلم للعلم وليس للمال .
ومن بين عوامل ازدهار النهضة العلمية في العصر الإسلامي ، المكتبات الضخمة التي انتشرت في العالم الإسلامي وخاصة في العصر العباسي ، ومن أمثله ذلك دار الحكمة في بغداد، وكانت تضم مايقارب المليون ونصف مليون كتاب ، وعلى الوتيرة نفسها كانت مكتبة دار الحكمة في القاهرة ، اما مكتبة المسجد الجامع في قرطبة فيقدر عدد كتبها بثلاثة أرباع مليون كتاب . وكانت بعض المكتبات الخاصة للعلماء والادباء يصل فيها عدد الكتب إلى مائة ألف كتاب ، وفي كثير من بيوت المسلمين في حواضر العالم الاسلامي كان الكتاب جزءاً رئيساً من مكونات تلك البيوت .
كان حب العلم شائعاً بين المسلمين وغير المسلمين ممن عاشوا في كنف الحضارة الاسلامية فسطرت المصادر التاريخية الكثير من الأعمال التي كانت تعكس حبهم للعلم ورغبتهم فيه من خلال الرحلة في طلب العلم والتي كانت مظهراً شائعاً في حياة المسلمين والأمثلة كثيرة على ذلك . بل إنها كانت جزءاً من ثقافة العلم في تلك العصور .
العالم الاسلامي كان يضم مساحات واسعة امتدات من سمرقند ببلاد ما وراء النهر إلى قرطبة في اسبانيا التي تعتبر أكثر اهمية وبخاصة على الصعيد الاقتصادي ، لما تملكه من خصائص مكانية وموروث حضاري عظيم انعكس على أوجه النشاط الاقتصادي في الزراعة والتجارة والصناعة ، حيث تميزت المنطقة بوجود أنهار عظيمة وارض خصبة ، وحقول خصيبة تنتج أنواعا عدة من المنتجات الزراعية .
ويضاف إلى ذلك وفرة المعادن في القوقاز و أرمينية و الجزيرة العربية وشمال إفريقيا ، بالاضافة إلى مصادر الإنتاج هذه الموجودة في العالم الإسلامي سيطر المسلمون على الطرق المؤدية إلى مناجم الذهب الرئيسية في العالم ، في إفريقيا الجنوبية والسودان وآسيا الوسطى ، أما مراكز الصناعات الحرفية المتطورة فكانت في إيران وبلاد الرافدين والشام بالإضافة إلى البلاد المصرية وهناك موانئ كبرى كانت تحت تصرف العالم الاسلامي بأرصفتها ودور صناعتها البحرية ، وهذه تضم ثلاث مجموعات : -
-ملاحه الخليج العربي والبحر الأحمر وكان قد تم افتتاح خطوطها الملاحية على أيدي الملاحين العرب والفرس نحو المحيط الهندي والتي كانت تتكامل بمنظومة الاسطول الهندي على نهري دجلة والفرات
- موانئ السواحل الشامية والمصرية ، وفي مقدمتها ميناء الاسكندرية والذي كان يزخر بالسفن البحرية والمراكب النيلية
- موانئ مضيقي صقلية وجبل طارق مثل تونس وسبته وقادس يضاف إليها الأسطول النهري على نهر الوادي الكبير الذي يخترق اشبيلية وقرطبة .
- مدن القوافل في آسيا الوسطى وفارس والهلال الخصيب وجزيرة العرب ومصر وشمال إفريقيا .
كانت هذه المنظومة تضم شبكة من القوافل مع حيوانات النقل من إبل وجمال وبغال وحمير وجهاز كامل من عاملين مختصين في تسيير القوافل من خفراء و مجهزي القوافل . ويدير ذلك كله مجموعات تجارية كانت لديها تقاليد عريقة في التجارة
كل ذلك تضافر، بتوجيه من قيم الدين الإسلامي ، لتحقيق نهضة اقتصادية عظيمة كان من مؤشراتها ازدهار التجارة التي أضحت تربط بين العالم الإسلامي من الداخل وبين العالم القديم في جميع أرجائه . وازدهرت الصناعة التي كانت تقدم منتجات متنوعة تعكس مستوى عالياً من الدقة والجودة والذوق الرفيع . وكذلك كان حال الزارعة حيث نشر المسلمون الكثير من المنتجات الزراعية وإعادة توزيعها في أرجاء مختلفة من العالم الإسلامي بالإضافة إلى تطويرهم لأساليب الزراعة ومن حيث أنماط الري والتسميد وغير ذلك .
رافق ذلك نهضة عمرانية كبيرة ، شملت إنشاء عشرات المدن الجديدة في أجزاء مختلفة من العالم الإسلامي . كما أن المدن القديمة شهدت أيضاً نهضة عمرانية كبرى مما أوجد شبكة من المدن منحت العالم الإسلامي هيكله الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ، ونشأ بين هذه المدن شبكة عن العلاقات المختلفة والمتنوعة من سمرقند إلى قرطبة ، فقد كانت الحضارة الإسلامية حضارة مدن متماسكة بشكل مدهش ، ينتقل بينها الناس والبضائع والأفكار.
معاير انتقال الحضارة الإسلامية إلى الغرب : -
البحر الأبيض المتوسط مساحة واسعة للتماس الحضاري بين الشرق والغرب وبالتالي بين الاسلام وحضارته وبين الغرب بمكوناته الدينية والثقافية ولذلك كانت المناطق الأقرب جغرافياً لأوروبا هي أكثر المناطق التي استوعبت المؤثرات الحضارية الوافدة إلى أوروبا من المجال الحضاري الإسلامي .
جزيرة صقلية تعد من الشواهد المؤثرة في هذا المجال ، حيث أنشأ فيها المسلمون حضارة عريقة استمرت ردحاً من الزمان ، قبل أن تسقط هذه الجزيرة في يد النورمانديين ، لتتحول إلى أكبر نعمة حضارية عرفها الغرب في تلك الازمنة ، نظراً لان ملوك النورمان كانوا معجبين بالحضارة الاسلامية راغبين في الانغماس فيها ، وتشرب ثقافتها ومعرفتها ، فكانت دولتهم تدار بالاسلوب الذي تدار به الدولة الاسلامية من قبل رجال ينتمون للحضارة الاسلامية سواء كانو مسلمين او غير مسلمين ، اما الصناعات والحرف والعمارة والزخرفة فجميعها كانت تتم على يد مسلمي صقلية ، ولذلك كانت قصور ملوكهم ومستلزماتها من أثاث وغير ذلك وملابسهم تنتمى بمجموعها للحضارة الاسلامية .
ولم يعمل هؤلاء الملوك على ترجمة العلوم من العربية فحسب ، بل حرصوا على استقطاب بعض العلماء العرب وإكرام وفادتهم والطلب منهم تصنيف المؤلفات العلمية .
مثل هذه السياسة الحكيمة حولت صقلية إلى نقطة نشاط حضاري قوي حيث امتزجت فيها الحضارة العربية الاسلامية مع الثقافات الأوروبية لتسهم في خلق نهضتها الحديثة .
أما اسبانيا ، فلقد تأصلت فيها الحضارة العربية الإسلامية وحققت إنجازات حضارية عظيمة تعكس رخاء اقتصادياً فائقاً . ومسيحيو اسبانيا حاولوا في البداية البعد عن المسلمين بعد دخولهم الأندلس ، ولكن ذلك لم يدم اكثر من بضع سنوات تحطمت بعدها جبهة المسيحيين على كل تعصب ضد المسلمين ، فهذا أمير مسيحي يطلب مساعده المسلمين ضد أمير مسيحي آخر يهدد إمارته ، فقام بطلب عون المسلمين على استرداد ما سلب منه ...
أما المسيحيون الذين بقوا تحت سلطان العرب المسلمين فقد تطبعوا بالحياة العربية الاسلامية .
يقول أحد أساقفة قرطبة حينذاك " كثيرون من أبناء ديني يقرأون أشعار العرب وأساطيرهم ويدرسون ما كتبه علماء الدين وفلاسفه المسلمين " فلم يتحرجوا أن يتعلموا كيف يكتبون باللغة العربية مستخدمين أساليبها البلاغية ، فأين تجد اليوم مسيحياً عادياً يقرأ النصوص المقدسة باللغة اللاتينية ؟ من منكم يدرس اليوم الكتاب المقدس أو ما قاله الرسل ، إن كل الشباب منصرف الأن لتعلم اللغة والادب العربيين فهم يقرأون ويدرسون بحماس الآداب العربية ويدفعون أموالهم في إقتناء الكتب ويتحدثون في كل مكان بأن الأدب العربي جدير بالدارسة والاهتمام وإذا حدثهم احد عن الكتب المسيحية اجابوه بأن هذه الكتب لاقيمة لها ولا تستحق اهتماماً . لقد نسي المسيحيون حتى لغتهم ولن تجد بين الالف منهم واحداً يستطيع كتابة خطاب باللغة اللاتينية، بينما تجد بينهم عدداً كبيراً يتكلم العربية بطلاقة ويقرأ من الشعر أحسن من العرب أنفسهمً .
الكثيرمن العرب عملوا كمربين لأطفال الملوك المسيحيين أو كأطباء أو كتبة في بلاطهم في برشلونة وغيرها ، كما هاجر كثير من المسيحيين المتغربين إلى قشتاله وأرغون وارجونه بعد أن هاجم المرابطون الموحدون من إفريقيه بلاد الاندلس . فكانوا حملة مشاعل الثقافة والأدب الأندلسي ، وصاروا بسلوكهم ومظهرهم الحسن مثالا يحتذى به . كما عمل الأسرى من المسلمين أيضا على نقل الحضارة العربية لأمراء شمال اسبانيا .
ولم تكن بلدان شمال اسبانيا على صله بالأندلس في الجنوب فحسب ، بل كانت أيضا على صلة دائما ببلدان أوروبا سياسياً وتجارياً ، ولم تكن جبال البرانس لتنمع تلك الصلات ، ومن هنا وجدت الحضارة الإسلامية طريقها إلى الغرب .
وعندما احتل الفونس السادس طليطلة عام 1085 م ساهم معه في الاستيلاء على المدينة العربية وحصارها فرسان آلمان وايطاليون وفرنسيون بل أن أول أسقف لها كان فرنسياً . وظلت مدرسة المدينة التي أسسها ريموند بمجموعاتها الهائلة من الكتب العربية تجذب آلاف الأوروبيين من مختلف البلدان . وعندما حوصرت لشبونة عام
1147م ، واحتلت دخلها جنود من الانجليز والألمان والفرنسيين وعينوا عليها أسقفا انجليزياً ، واحتل الملك الفونسس المدينة ووزع الأسلاب على جنوده من مختلف البلدان الأوربية . وقد حمل مشعل الحضارة العربية عبر الأندلس آلوف من الأسرى الأوروبيين الذين عادوا من قرطبة وسرقسطة وغيرها من مراكز الثقافة الأندلسية ، كما مثل التجار في ليون وجنوا و البندقية ونورمبرج دور الوسيط بين المدن الأوروبية والمدن الأندلسية
واحتك ملايين الحجاج من المسيحيين الأوروبيين بالتجار العرب وبالحجاج المسيحيين القادمين من شمال الأندلس كما ساهم سيل الفرسان والتجار ورجال الدين المتدفقين سنوياً من أوروبا على أسبانيا في نقل أسس الحضارة الأندلسية إلى بلادهم .
وكان للاندلس الدور الرائد في الترجمة من العربية وخاصة طليطلة التي كانت رائدة في هذا المجال .
الحروب الصليبية كانت وسيلة للتأثير الشرقي الذي أدى إلى تفتح عقول الأوروبيين وأنها كانت من العوامل المهمة التي أدت إلى تقدم أوربا ، لأن وجود المسيحيين في المشرق الإسلامي جعلهم معبراً من معابر الحضارة العربية الإسلامية إلى أوروبا .
فالحرب المعلنة آنذاك بين المسلمين والافرنج لم تمنع حدوث الاتصالات السلمية على مستوى الشعب والقادة ويشير إلى ذلك ابن جبير بقوله : (( ومن أعجب ما يٌُحدث به أن نيران الفتنة تشتعل بين الفئتين مسلمين ونصارى وربما يلتقي الجمعان ويقع المصاف ببضعهم ورفاق المسلمين النصارى ، تختلف بينهم دون اعتراض عليهم ))
ويردف قائلاً ( هذه سيرة أهل البلاد في حربهم وفي الفتنة الواقعة بين أمراء المسلمين وملوكهم كذلك ، ولا تعترض الرعايا التجار فالأمن لا يفارقهم سلما أو حرباً ))
اما على مستوى القادة فإننا نرى أنه في سنة 562هـ /1166م قامت بين شاور الوزير الفاطمي وبين الافرنج علاقات ودية أسفرت عن إقامة مجموعة صليبية في القاهرة والاسكندرية تقرب من عامين . ولا شك أن هذه المجموعة قد تأثرت بالمسلمين من خلال تعاملهم اليومي معهم ، وفي الشام كانت تتم اتصالات بين أمراء المسلمين وزعماء الأفرنج فيذكر أسامة بن منقذ في كتابه (الاعتبار) ان ونكرى صاحب أنطالية كان صديقاً لال منقذ في شيزر وكان قد أرسل إليهم فارساً ومعه رسالة ذكر فيها أن هذا الفارس قدم من أوروبا للحج وفي طريق عودته أراد ان يزور شيزر ويشاهد فرسانها .
ولم تكن تخلو قصور الزعماء الصليبين من العرب . وهذا الأمر يعطينا صورة جلية عن الحياة اليومية التي كان يسودها التفاعل بين الفريقين مما جعل الوجود الصليبي في المشرق وسيلة لنقل عادات المسلمين وعلومهم وآدابهم إلى أوروبا . فبواسطة الصليبين عرفت أوروبا الشئ الكثير عن الشرق .
و الصليبيون المقيمون في المشرق الاسلامي كانوا قد أصبحوا شرقيين في طبائعهم وثقافتهم .
وفي ذلك يذكر المؤرخ الفرنجي نوشبه دي شارت الذي أرخ للحملة الصليبية الأولى والذي عبٌر عن مدى تأثر الصليبيين بالحياة الجديدة حيث قال :" الآن صرنا نحن الذين كنا غربيين شرقيين ومن كان منا إيطالياً أو فرنسياً
أصبح في هذه البلاد جليلياً أو فلسطينياً .لقد نسينا الأماكن التي ولدنا فيها أو أكثرنا لا يعرفها بل لم يسمع بها ولكل منا بيته وأهله كما لو أنه ورثه من أبيه أو عن شخص سواه وتزوج بعضنا من سوريات وأرمنيات
يضاف إلى المعابر السابقة عوامل أخرى من أبرزها التجارة فالطابع الرئيس في المناخ الاقتصادي الذي تطور منه إنتاج العالم الإسلامي كان الطلب على الاستهلاك المتنوع الناجم عن نشوء مدن ضخمة ذات حاجات كثيرة ومتنوعة وملحة في بعض الاحيان ، سواء من حيث الكمية أو النوعية ، بسبب ارتفاع مستوى المعيشة في تلك المدن وبالإضافة إلى الاستهلاك المترف الناتج عن متطلبات ومستلزمات القصور الملكية والطبقات الغنية من السكان . وهذا يترتب عنه زيادة كبيرة في الانتاج الذي تحول إلى صادرات وترتب عنه تزايد الحاجة في العالم الإسلامي للمواد الخام والتي كان يتم استيراد بعضها من المناطق المجاورة وما وراءها من مناطق قادرة على تلبية الطلب المتزايد للمواد الخام . علاوة على ذلك أن موقع العالم الاسلامي كان يتوسط منطقة مهمة للتجارة والنقل والتوزيع وبخاصة منتجات الشرق الأقصى وجنوب شرق آسيا والتي كانت حاجة أوروبا في تنام مستمر لاستهلاك منتجاتها وعلى وجه الخصوص البهارات . لذلك نمت المبادلات التجارية بين العالم الاسلامي وبيزنطة و أعماق أوروبا ، مما أدي إلى نشوء منظومات تجارية متكاملة ومراكز تجارية في جنوب أوروبا أوفي بعضها كانت هناك جاليات إسلامية كبيرة ، تنقل خبراتها وأدواتها وعلومها إلى الغرب . وفي المقابل كان التجار الأوروبيون يجوبون المدن الإسلامية على سواحل البحر الأبيض المتوسط ، وفي رحلات كانت الواحدة منها تستغرق في بعض الأحيان ستة أشهر متواصلة . فكانت فرصة كبيرة لهم لتلقى ثقافة العالم الإسلامي وحضارته ونقلها عند عودتهم إلى الغرب الاوروبي .
طلاب العلم ايضا كان لهم دور فعال في نقل الحضارة الإسلامية حيث كانوا يفدون إلى العالم الاسلامي لطلب العلم وتلقى المعرفة . وهم كثيرون ولا نريد أن نسترسل في الأمثلة ويكفى أن نذكر هنا ما يذكره ابن جبير أنه شاهد في عكا بعض طلاب العلم الصليبين المقيمين في الشام والوافدين من أوروبا ، يلتحقون بالمدارس العربية ، يتلقون العلوم بلغة العرب. ومن هولاء الذين تعلموا في العالم العربي أولا رداف بات ، الذي زار مصر والقدس في سنة 1104م وتتلمذ على العلماء المسلمين في الفلك والرياضيات . وبعد عودته إلى انجلترا عُين معلماً للأمير هنري الذي أصبح فيما بعد الملك هنري الثاني . وفي أوائل القرن الثالث عشر الميلادي قدم إلى مصر والشام ليوناردو طيبونا نشي واصله من بيزا إلا انه عاش مع والده في الجزائر فتعلم العربية ، ثم سافر إلى المشرق الاسلامي وأتقن فيه الرياضيات . ومن هؤلاء أيضاً الجراح الايطالي هوج البولوني ، الذي قدم إلى المشرق الاسلامي في عام 1218م ومكث ثلاث سنوات تعلم الكثير في مجال الجراحة والتخدير وتجبير كسور العظام .
كانت المعابر السابقة أدوات مهمة في عبور الثقافة العربية الاسلامية فانعكست أثراً واضحا على جميع جوانب
الحياة في أوروبا لتشكل لها بذلك المقومات الفعلية لحضارتها الحديثة . ويمكن حصر أبرز هذه المؤثرات في الجوانب التالية : -
الإدارة والتنظيم :- كان التأثير في هذا الجانب عظيماً ، وسُنتطرق لأبرز هذه المؤثرات بإيجاز:-
-البناء الإداري لمؤسسات الدولة ، من حيث وجود الوزراء الذين يتبعهم عدد من المؤسسات الادارية التي يعنى كل منها بجانب معين من الخدمات التي تقوم بها الدولة ، كالاهتمام بشؤون الزراعة أو البريد أو المنشأت الخدمية وغير ذلك .
-النظم التعليمية ، كتنظيم المؤسسات التعليمية وضوابط العمل فيها ... ومبدأ شيوع التعليم في المجتمع وإتاحة الفرصة للجميع بحيث يطبق عليه مبدأ الفرص المتكافئة .
-التشريعات ، حيث استفادت التشريعات الأوروبية من نظيرتها عند المسلمين في كثير من مجالاتها . ويكفي ان نشير هنا إلى القانون التجاري والقانون المتعارف عليه في التجارة الدولية . والشاهد على ذلك العديد من المصطلحات مثل( Mohatra) المأخوذة من كلمة (مخاطرة ) العربية ، وهي التحايل على تفادي الفائدة عن طريق البيع المزدوج وكلمة (Aval) وهي كلمة فرنسية محرفة عن كلمة (حوالة) العربية وكلمة شيك( Chegue) من كلمة (صك) بالعربية وغير ذلك .
ومما يجدر ملاحظته هنا ان المسحيين الأندلسيين الذين عرفوا بالمستعربين أخذوا يستعملون في وثائقهم وعقودهم الصيغ المتبعة في الوثائق الإسلامية . واحتفظوا بهذه الطريقة في مدينة طليطلة لمدة تقارب القرنين بعد سقوطها في أيدي الأسبان سنة 478/ 1085 م .
الحياة الاجتماعية :- تأثر الأوروبيون في بعض جوانب حياتهم الاجتماعية بالمظاهر الاجتماعية الوافدة عليهم من المشرق الاسلامي ، وأبرز هذه المؤشرات يمكن حصرها في العناصر التالية : -
-الأدب الاجتماعي : تقول المستشرقة الألمانية زيغريد هوتكه " إن الحلي التي يقدمها الأوروبي لحبيبته أو لزوجة صديقه سواء أكانت ماساً أصليا أم زجاجاً مصقولاً ، هي عادة استوردت من الشرق ، ويمارسها الناس كل يوم ولا يعرفون لها مصدراً . كذلك لو أنك كتبت لسيد أو سيدة خطاباً وأنهيته بالمخلص فلان أو خادمك المطيع فأنت تعترف بسيادة العرب لأنك أخذت عنهم هذه الكلمات ، ولم يكن أجدادك في الغرب يعرفون شيئاً منها وأنت كلما انحنيت على يد سيده لتقبلها لاتنسى في تلك اللحظة أنك بهذا تمارس عادة عربية . وتزلف الرجل للمرآه خطباً لودها ولتقديرها سواء أكان هذا من باب الأدب في المجتمعات أم كان عن حب صادق .. كل ذلك من عادات العرب المسلمين الذين استطاعوا بما حملوه من تشريعات إسلامية عظيمة ، ومن حس حضاري مرهف ، القضاء على شعور العداء للمرآة ، وجعلوا من منهجهم مثالاً احتذاه الغرب ولا يملك الآن منه فكاكاً . و أصبح الاستمتاع بالجمال والغزل جزء من حياة الأوروبيين شاءوا أم أبوا...
أما الفروسيه بما تمثله من أخلاقيات المروءة والنجدة والأثرة ، فهي سلوك عربي هذبه الإسلام وتعلمه
الأوروبيون بعد ذلك
-النظافة والعناية بالمظهر مثل الاغتسال كسلوك اجتماعي ، والعناية بالمظر في اللبس من حيث تناسق الألوان ، واستخدام أدوات الزينة للنساء ، كل ذلك مظاهر تعلمها الأوروبيون من المسلمين .
النشاط الاقتصادي : إن مظاهر الثراء الذي شهدته بعض المدن الأوروبية وبخاصة تلك المطلة على البحر الأبيض المتوسط أو متلازمة للحدود الإسلامية البيزنطية أو القريبة منها ، كلها مدينة بثرائها للعلاقات الاقتصادية التي كانت تربطها بالعالم الاسلامي، ويظهر الاثر الاقتصادي للعالم الاسلامي في المجالات التالية
- التجارة: ارتبط العالم الاسلامي بالغرب المسيحي من خلال مجالين تجاريين رئيسي يتخلصان في افقين : -
الأفق الاول هو : بيزنطة حيث فرض الموقع الجغرافي للعالم الاسلامي على بيزنطة علاقاتها التجارية لأنه كان يطوقها من الشرق والجنوب ، وكل سلع آسيا أو إفريقيا كانت إما منتجاً في هذا العالم أو أنها تمر عن طريقه .
وقد أسهم هذا الوضع في أن تقوم الامبروطورية البيزنطية بدور الوسيط بين الشرق والغرب ، وأضحت مدنها القريبة من الحدود الإسلامية أو عاصمتها القسطنطينية ، مناطق عبور للتجارة الدولية، وكان في العاصمة القسطنطينية ، جالية عربية من التجار السوريين الذين كان لهم فيها مسجد خاص بهم .
كانت هذه التجارة منتظمة بحيث تكفل للتجار المسلمين تصريف كامل بضائعهم مما كانت كميتها ونوعيتها . فإذا تخلت نقابات التجار البيزنطيين المشترين عن جزء من البضائع المعروضة من قبل التجار المسلمين ، فإنه كان على حاكم المدينة أن ينقلها إلى السوق و أن يبحث لها عن تسويق مناسب
الأفق الثاني كان يتكون من أقوام أوروبية كان مستواها الاقتصادي لا يزال متخلفاً ، وكذلك أنماطها الحضارية كواقع أشمل ، يبد أن وجود الحواضر الإسلامية الكبرى في صقلية والأندلس ، واحتكاك الأوروبيين بها وبالمشرق الاسلامي خلال الحروب الصليبية ، رفع من المستوى الحضاري لتلك الشعوب فتزايد إقبالها تبعا لذلك ،على المنتجات المتنوعة القادمة من العالم الإسلامي ومن ابرز المنتجات التي كانت تصدر من العالم الاسلامي إلى الغرب الأقمشة المصنوعة بإتقان كبير جداً من الحرير والأقطان والصوف بالإضافة إلى المعاجين الطبيعية . وأدوات الزينة ، والملابس ، والآنية بانواعها المختلفة من الخزف والزجاج ،والمعادن، والورق بأنواعه ،والعطور بأنواعها ،بالإضافة إلى الآلات وأدوات الجراحة والإسطرلابات بالإضافة إلى الصناعات مثل السكر وغيره من المنتجات الصناعية .
وكان العالم الإسلامي يستورد الأحجار الكريمة واللؤلؤ والعاج ، كما كان العالم الإسلامي يستورد من الغرب الأصواف والمعادن والأخشاب والرقيق .
هذه المبادلات الواسعة النطاق أسهمت في نمو الخبرات التجارية في الغرب ، وما ارتبط بذلك من نمو
مدن وأساطيل تجارية كبرى ، واسهمت في تزايد الثراء لدى الغرب وما تربت عنه من نهضة اقتصادية وحضارية وأبرز الأدلة على ذلك أنه عثر في جزيرة جوتلاند السويدية وحدها أكثر من ثلاثين ألف قطعة نقدية من العملات الإسلامية ،علاوة على ما وجد في غيرها من البلاد الأوروبية
الزراعة : نقل العالم الاسلامي الكثير من خبراته في الزراعة إلى الغرب ، ويمكن حصر أهم هذه الخبرات في الجانبين التاليين : -
الأساليب الزراعية : مثل بناء المصاطب الزراعية على سفوح الجبال وهو أسلوب نقله المسلمون إلى بلاد الأندلس قبل أن ينتشر في أوروبا ، ومن الأساليب الزراعية التي عرفها الأوربيون عن طريق المسلمين في الأندلس استخدام القنوات الأرضية في نقل الماء بالإضافة إلى استخدام النواعير في السقيا
أدخل المسلمون إلى جنوب أوروبا زراعة الأرز والقطن وقصب السكر والبرتقال والليمون وانواع مختلفة من الخضار والحبوب .
الصناعة :- تأثرت الصناعات الأوروبية في عصر النهضة بالصناعات الإسلامية . فصناعة الرعادات (الصورايخ) و القنابل والمدافع والبنادق هي صناعة إسلامية ، صنعها المسلمون لمواجهة الحملات الصليبية المتتابعة على المشرق الاسلامي ، وقد كتب أحد الأوربيين المرافقون لإحدى الحملات الصليبية يقول :" إنه كلما انطلقت قذيفة في الفضاء ، كان يبلغ التاثير بملك فرنسا مبلغاً كبيراً فيصيح باعلى صوته " سيدي الحبيب احمني وشعبي من الكارثة "
وعن طريق ترجمات لاتينية وصلت أولى المعلومات عن أنواع المواد المتفجرة وعن الألعاب النارية إلى أوروبا فتلقفها روجر باكون والبرنس ماغنوس والنبيل الآلماني فون بولتشاد، وهذا الأخير هو الذي زود برتولد شفاس الفرنسيسكان ، بجميع المعلومات التي جعلته يدعى اختراع البارود ...
اما المدافع والرعادات والقنابل ، فلقد عرفتها أوروبا عن طريق عرب الأندلس ، الذين استخدموا هذه الأسلحة بفعالية كبيرة في حروبهم قبل أن يقتبس الأوروبيون هذه الخبرات المعرفية ، ويأخذوا في تطويرها ليعيدوا إطلاقها على من علموهم صنعتها .
ومن الصناعات التي نقلها الأوروبيون عن العرب صناعة الورق، حيث كان التجار والحجاج الاوروبيون يذهبون إلى الأندلس أو إلى المشرق الإسلامي ويعودون محملين برزم من الورق الناعم ، وظل الأمر على هذه الحال في أوروبا حتى بدأت إيطاليا في صناعة الورق سنة 1340م ثم تبعتها ألمانيا في سنة 1389 م وقد استعان الأوروبيون بصناع عرب ومسلمين لبناء مطاحن الورق الأولى بل إنهم تعلموا من العرب جميع أنواع الطواحين
مثل الطواحين المائية والهوائية . لقد كانت صناعة الورق وغيرها من الصناعات الأخرى في النسيج والمعادن
والخشب وغير ذلك ، تبدأ في أوروبا في شكل صناعات مقلدة للصناعات الاسلامية قبل أن تتجه إلى تبني أساليبها الخاصة في الصناعة فمنذ القرن 6-7 هـ / 12-13 م بدأ النساجون الأوروبيون يجتهدون في محاولاتهم لتقليد النسيج المصنوع في العالم الإسلامي.
فكانت بولندا من المراكز المهمة لصناعة النسيج المقلد للنسيج الإسلامي ، أما صناعة المعادن فيها بدأت ايضاً منذ القرن 6هـ كما تظهر في الأواني الرومانية الطراز التي صنعت على هيئة حيوانات كمثيلاتها الإسلامية وطوت النحاس المطعم بالميناء ، وكانت تصنع في ليموج بفرنسا وتعرف بالتوائم ، ويظهر تأثرها الواضح بمثيلاتها المصنوعة في العالم الإسلامي .
كذلك الإسطرلابات التي كانت تعمل بكثرة في المشرق الإسلامي وتقلد تقليداً دقيقاً في أوروبا .
و كان لانتشار التطعيم على المعادن في العالم الإسلامي أثر الكبير على أوروبا وخاصة منذ القرن 9هـ /15 م حيث شاع هذا الأسلوب في صناعة المعادن في أوروبا ، وظهر على عدد كبير الطسوت والقصاع والأطباق الكبيرة والأباريق والشمعدانات المصنوعة في البندقية وربما في مدن اوروبية اخرى ، وعلى الوتيرة نفسها سار الأمر في الصناعات الأوروبية الأخرى الخزفية والزجاجية والخشبية .
العلوم : الاثر العلمي للحضارة الاسلامية على الغرب كان كبيراً جداً ، وللاسف الشديد حتى الوقت الحاضر فإن هذا الأثر لم يتم دراسته واستيعابه بدرجة كافية . ولعل من أسباب ضعف الاستعياب ما أثبتته الدراسات الحديثة عن بواكير المؤلفات اللاتينية التي ظهرت بعد البدايات الأولي للترجمات من العربية إلى اللاتينية في القرن الرابع للهجرى حيث ثبت أنها إنما كانت مجرد نقول من الكتب العربية و لم يتم الإشارة إلى أصحابها بسبب عوامل العداء والكراهية التي كانت في الغرب لكل ما هو إسلامي .
ومن أمثله ذلك قسطنطين الافريقي ، وهو تاجر عربي من الجزائر لا يعرف كونه ولد مسيحياً أم تنصر . قدم مدينة سالونو في جنوب ايطاليا سنة 1065 م وشهد انحطاط مستوى الطب والصيدلة هناك ، فعاهد نفسه أن يعود إلى بلده ليتعلم الطب فيها ، ثم يرجع ليفيد الايطاليين ، فعاد بعد ثلاث سنوات إلى سالونو ومعه الكثير من الكتب ثم عكف في دير من الأديرة مع بعض الرهبان ، ونقل هناك الكثير من الكتب العربية إلى اللاتينية ونسبها إلى نفسه بينما ثبت من خلال الدراسات والأبحاث ، أن جهده العلمي لا يعدو ان يكون نقلا من محتويات أكثر من سبعين كتاباً عربياً . ولقد فتحت ترجمات قسطنطين الافريقي في أوروبا الابواب لعلم الطب .
في القرن 7 هـ / 13 م بدأت تظهر مؤلفات ، هي في الواقع مقلدة للكتب العربية وليس فيها جديد ، بل أنها في كثير من الاحيان تقل في المستوى عن مصادرها العربية ، وذلك من حيث درجة فهم الموضوعات وطريقة العرض وترتيب الموضوع والإيجاز وربما الامانة ، ولم يمنع ذلك من ظهور ترجمات عملت على النقل بامانة من العلوم العربية إلى اللاتينية ، فأدى ذلك إلى أن تصبح هذه الكتب هي مفاتيح العلم في الغرب ومن أمثله ذلك :
-جابر بن حيان ودوره الرائد في علم الكمياء ، ومن أبرز كتبه كتاب( الرحمة )وكتاب (التجميع) وكتاب
-(الزئبق الشرقي) وكتاب( الاستتمام) ، وكتاب (السبعين) ، وكتاب (تركيب الكيمياء) وكتاب (السموم) ودفع مضارها ، وقد ترجم له أكثر من كتاب في مطلع عصر النهضة ، حيث تعلم منها الغرب الكثير مثل تحضير المواد الكيميائية ودراسات التركيبات والأوزان الجزيئية وغير ذلك .
-الحسن بن الهيثم : يعد الحسن بن الهيثم أحد أبرز العلماء الذين أزهر بهم العلم فقد الف 25 كتاباً في الرياضيات و 21 كتاباً في الهندسة و 3 كتب في الحساب و 24 مجلداً في الفيزياء والفلك .
-وتجد في هذه الكتب الكثير من الآراء والنظريات التي تعكس التطور العلمي عند المسلمين على وجه العموم ، وعند الحسن بن الهيثم على وجه الخصوص ، وخاصة فيما يتعلق بعلم الضوء والعدسات والبصريات وخصائص الإبصار وغير ذلك .
-علي الحسين بن عبدالله بن سينا: الف قرابة مائة كتاب ، تناولت فنوناً مختلفة من أشهرها الطب وخاصة في كتابة (القانون) ، الذي يعد دائرة معارف طبية ، طبع في أوروبا عدة مرات . وظل لعقود طويلة هو المرجع المعتمد عند الدارسين في هذا المجال .
-ابو القاسم خلف بن العباس الزهرواي : يعد رائد علوم الجراحة في التاريخ الإنساني وله كتاب قيم في هذا المجال اسماه ( التصريف لمن عجز عن التأليف ) وقد ظل هذا الكتاب بمثابة المرجع الأساسي الذي اعتمد عليه الأوروبيون في الجراحة وتجبير العظام لعدة قرون .
-الخوارزمي : الذي نقل عنه الأوروبيون نظريته في الرياضيات فسموها باسمه ، فيقال لوغارزم على وزن خوارزم ، وأصبحت تعرف باللوغريتمات في الرياضيات ..وهناك غيرهم كثير .. من العلماء المسلمين في المجالات المختلفة الذين اثرت كتبهم في تطور العلوم عند الغرب .
-والحقيقة فإن أثر المسلمين العلمي يتجاوز الإضافات في العلوم إلى تأسيس العلوم نفسها ، وعلى الرغم من أن لها أثرا سابقاً ولكنها لم تتحول إلى علوم حقيقية بحته تخدم المعرفة والحضارة إلا على يد المسلمين ، مثل علم الجبر والإحياء والكيمياء والفلسفة والتاريخ ... وغير ذلك
-كما أن العالم بُاسره مدين للحضارة الإسلامية باكتشاف المنهج التجريبي .وما ترتب عن من تطورات مهمة في تاريخ العلوم .

بقلم
الدكتور عدنان بن محمد الحارثي
عميد كلية المكتبات بجامعة أم القرى بمكة



بواسطة : hashim
 0  0  28168
التعليقات ( 0 )

-->