• ×

من بيوت العلم المنقرضة: الأدباء التنوخيون القضاة.

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
من بيوت العلم المنقرضة: الأدباء التنوخيون القضاة.

هذه الأسرة المشهورة التي لمعت في عالم الأدب والشعر والقضاء وغيرها من الفنون قضاعية النسب(1)، أما تنوخ التي تُنسب إليها، فهو اسمٌ لعدة قبائل اجتمعوا قديمًا بالبحرين وتحالفوا على التوازر والتناصر، وأقاموا هناك، فسموا تنوخًا(2)؛ وقد برز في هذه الأسرة أعلام يُشار إليهم بالبنان عبر قرنين من الزمان، وأثنى عليهم جمع من العلماء؛ ومنهم القاضي ابن خلكان(ت681هـ) قائلاً: «هم أهل بيت كلهم فضلاء أدباء ظرفاء»(3)، بيد أن هذا البيت انقرض في نهاية القرن الخامس الهجري. والطريف أنهم من نسل رجل واحد، وإليك أخبارهم مرتبة على وفياتهم:
الأول: الأديب الحافظ لأشعار العرب محمد بن أبي الفهم داود بن إبراهيم التنوخي(ت تقريبًا القرن 3هـ)، ذكر ابنه العلامة القاضي علي بن محمد التنوخي(ت342هـ) أنه كان يحفظ قصيدة دعبل الخُزاعي التي يرد فيها على الكُميت، وهي نحو ست مئة بيت(4).
الثاني: ابنه القاضي العلامة الأديب أبو القاسم علي بن محمد بن أبي الفهم التنوخي الحنفي، وُلد بأنطاكية سنة 278هـ، وفيها نشأ، ثم قدم بغداد في حداثته، وتفقه بها على مذهب أبي حنفية، وسمع الحديث النبوي من جمع من المحدثين، كان معتزليًا مناظرًا، بصيرًا بعلم النجوم، شاعرًا أديبًا، ولي قضاء الأهواز، ويُعد أحد الأذكياء، حفظ ست مئة بيت في يوم وليلة، قال العلامة الثعالبي(ت429هـ) إنه «من أعيان أهل العلم والأدب وأفراد الكرم وحسن الشيم»(5).
وله تصانيف في الأدب منها: كتاب في العروض، وكتاب في علم القوافي، وديوان شعر مجموع، ذكر ابنه العلامة المحسن أنه كان يحفظ للطائيين ست مئة قصيدة، ويحفظ من النحو واللغة شيئًا عظيمًا، ويُجيب في أزيد من عشرين ألف حديث.
توفي القاضي علي بالبصرة سنة 342هـ(6).
الثالث: ابنه القاضي العلامة الأديب أبو علي المحسن بن علي بن محمد التنوخي البصري، وُلد بالبصرة سنة 327هـ، وفيها نشأ، كان أخباريًا مُتفننًا، شاعرًا، نديمًا، نزل ببغداد وأقام بها، سمع الحديث من جمع من العلماء، وحدث فيها إلى حين وفاته، وكان سماعه منهم صحيحًا.
فيه يقول أبو عبد الله بن الحجاج الشاعر:
إِذا ذكر الْقُضَاة وهم شُيُوخ ... تخيرت الشَّبَاب على الشُّيُــــوخ
وَمن لم يرض لم أصفعه إِلَّا ... بِحَضْرَة سَيِّدي القَاضِي التنوخي(7)
ولي قضاء رامهرمز وعسكر مُكرم وغير ذلك، له من المصنفات: «الفرج بعد الشدة» الذي أثنى عليه العلامة الثعالبي(ت429هـ) قائلاً: «وله كتاب «الفرج بعد الشدة» وناهيك بحسنه وإمتاع فنه وما جرى من الفأل بيمنه، لا جرم أنه أسير من الأمثال وأسرى من الخيال»(8) والكتاب مطبوع، وله كتاب: «نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة» مطبوع، وكتاب: «المستجاد من فعلات الأجواد»، وديوان شعر أكبر من ديوان أبيه.
ومن نظمه -وهو متنازع-:
قُلْ لِلمَلِيحَة فِي الخِمَارِ المُذْهَبِ ... أَفْسَدْتِ نُسْكَ أَخِي التُّقَى المُتَرَهِّبِ
نُورُ الخِمَارِ وَنُورُ خَدِّكِ تَحْتَهُ ... عَجَبًا لِوَجْهِكِ كَيْفَ لَمْ يَتَلَهَّبِ
وَجَمَعْتِ بَيْنَ المَذْهَبَيْنِ فَلَمْ يَكُنْ ... لِلْحُسْنِ عَنْ ذَهَبَيْهِمَا مِنْ مَذْهَبِ
وَإِذَا أتتْ عَيْنٌ لِتَسْرِقَ نَظْرَةً ... قَالَ الشُّعَاعُ لَهَا اذْهَبِي لَا تَذْهَبِي(9)
توفي المحسن ببغداد سنة 384هـ(10).
الرابع: ابنه القاضي العالم المعمر أبو القاسم علي بن المحسن بن علي التنوخي البصري ثم البغدادي، كان أديبًا فاضلاً، روى شعرًا كثيرًا؛ ولد بالبصرة سنة 365هـ. سمع الحديث من العلماء، وقُبلت شهادته عند الحُكام في حداثته، ولم يزل على ذلك مقبولاً إلى آخر عمره، وكان متحفظًا في الشهادة، محتاطًا، صدوقًا في الحديث، وهو رواي كتاب «الأشربة» لأحمد بن حنبل الشيباني(ت241هـ)، وله مصنفات، منها كتاب: «الطوالات».
تقلد أبو القاسم علي التنوخي قضاء نواح عدة منها المدائن وأعمالها ودرزيجان والبردان وقرمسين.
توفي علي بن المحسن التنوخي سنة 447هـ، وخلّف ابنًا اسمه محمد الآتية ترجمته(11).
الخامس: ابنه أبو الحسن محمد بن أبي القاسم علي بن المحسن التنوخي المتوفى سنة 494هـ، قال القاضي أبو عبد الله بن الدامغاني: دخلت على أبي القاسم قبل موته بقليل، فأخرج إلي ولده هذا من جاريته وبكى، فقلت: يعيش إن شاء الله وتربيه. فقال: هيهات! والله ما يتربى إلا يتيمًا، وأنشد:
أَرَى وَلَدَ الْفَتَى كَلًّا عَلَيْهِ ... لَقَدْ سَعِدَ الَّذِي أَمْسَى عَقِيمًا
فَإِمَّا أَنْ تُرَبِّيَهُ عَدُوًّا ... وَإِمَّا أَنْ تُخَلِّفَهُ يَتِيمًا
فتربى يتيمًا كما قال، قال الهمذاني في «تاريخه»: قبل القاضي أبو عبدالله بن الدامغاني شهادة محمد بن علي بن المحسن(12).
قلت: وبمحمد بن أبي القاسم علي التنوخي(ت494هـ)، انقرض بيت الأدباء التنوخيين القضاة كما نصَّ على ذلك: الأديب ياقوت الحموي(ت626هـ)(13) والمؤرخ ابن الأثير الجزري(ت630هـ)(14).
كتبها:
إبراهيم بن منصور الهاشمي الأمير
الأربعاء 9 رجب 1441هـ
التعليقات:
(1) «تاريخ مدينة السلام» (13/550)، «الأنساب» للسمعاني (3/93).
(2) «تاريخ مدينة السلام» (13/604).
(3) «وفيات الأعيان» (4/162).
(4) «تاريخ مدينة السلام» (13/552).
(5) «يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر» (2/393).
(6) «تاريخ مدينة السلام» (13/550)، «معجم الادباء» (4/1872)، «وفيات الأعيان» (3/366)، «سير أعلام النبلاء» (15/499).
(7) «يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر» (2/405).
(8) «يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر» (2/405).
(9) «يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر» (2/406).
(10) «تاريخ مدينة السلام» (15/199)، «سير أعلام النبلاء» (16/524).
(11) «تاريخ مدينة السلام» (13/604)، «الكامل في التاريخ» (8/131)، «وفيات الأعيان» (4/162)، «سير أعلام النبلاء» (17/649).
(12) «معجم الأدباء» (4/1846)،«الكامل في التاريخ» (8/131)،
(13) «الكامل في التاريخ» (8/131).
(14) «الكامل في التاريخ» (8/131).

بواسطة : إبراهيم بن منصور الهاشمي الأمير
 0  0  2776
التعليقات ( 0 )

-->