• ×

الشريف عبدالله بن الحسن الدويبي يحصل على الدكتوره في اطروحته البعد الاجتماعي في شعر المتنبي

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
نال عنهـــــا دكتـــــوراه بتقديـــــر ممتــاز مـــــن جامعــة دمشـــــق
الباحــــث الســــعودي د. عبد الله الدويبـي في أطروحتــه «البعــد الاجتماعي في شعر المتنبــي»
لا شكسبير ولا غوته يضاهيان المتنبي في تجسيده للأدب العظيم
(حوار مع الدكتور الشريف عبدالله بن الحسن الدويبي الحسيني)


عندما يتعامل الدارس والباحث مع شاعر مالىء الدنيا وشاغل الناس كالمتنبي، فهذا يعني أن يأتي بجديد على صعيد الشرح والتحليل والنقد والمفيد للباحثين من بعد، لكن أن يكرر المكرر ويفسر المفسر، فهذا ليس أكثر من زرع في تربة مالحة، أما ما قدمه الدكتور السعودي عبد الله بن الحسن الدويبي الشريف في أطروحته «البعد الاجتماعي في شعر المتنبي»، التي نال عنها دكتوراه بتقدير ممتاز من جامعة دمشق في علم اجتماع الأدب، فهو جهد يستحق عليه التقدير والإشادة لما يتضمنه من دراسة تحليلية غنية أحاطت بجوانب عديدة تضمنها شعر المتنبي، ولم يتم التطرق إليها من قبل، لهذا نستطيع القول: إن الدراسة جديدة وتستحق التوقف عندها، لتسليط الضوء على أهم الجوانب التي اشتملت عليها والتقنيات البحثية الجديدة التي اتبعت فيها.
الدكتور الشريف يعمل مدرباً ممارساً في مجال البرمجة اللغوية العصبية (NLP) «مدخل جديد من مداخل النجاح والتغلب على المشكلات النفسية والاجتماعية».. «البعث» التقت الدكتور الشريف، وسألته أولاً عن أهمية اختياره للمتنبي تحديداً....

كنز ثمين غير مستثمر كما ينبغي:
يقول: اخترت المتنبي لأنني وجدت كثيراً من الحكم والأمثال الواردة في شعره تتردد على هيئة مقولات لبعض علماء النفس والاجتماع الغربيين والشرقيين ويشاد بها ويستشهد بها، في الوقت الذي شعر المتنبي الحامل للكثير من المجاز والحكم والأمثال مهمش لمجرد أنه عربي لا يجد من يرتقي به إلى العالمية.
ومن واقع البرمجة اللغوية العصبية وكثرة الشواهد التي تضمنها شعر المتنبي والمنسجمة مع مبادىء هذه البرمجة الحديثة، رأيت من الواجب عليّ كعربي إيصال هذا التراث العظيم إلى كافة العاملين في حقول علم النفس وعلم الاجتماع للتعريف، إن المتنبي منذ ألف سنة مجسد للأدب العظيم الذي لا يضاهيه في ذلك لا شكسبير ولا غوتة ولا كثير من شعراء الغرب والشرق، هو كنز ثمين غير مستثمر كما ينبغي، كما وجدت للمتنبي إسهامات عظيمة فيما يتعلق بكثير من المكتشفات الحديثة التي سجلت براءة الاختراع فيها لعظماء المكتشفين الغربيين، ولم يشر فيها للمتنبي ولا لأي عربي آخر، كقوله بانكسار الضوء واكتساب القمر لنوره من الشمس، ودوران الفلك، وكيفية حدوث الكسوف والخسوف ومواقع النجوم، والكثير من القضايا الطبية وعلم الآثار وسواها، فمن المدهش حقاً أن يجد المتقصي لشعر المتنبي في ديوانه أنواعاً من المعارف لا يمكن أن تصدر إلا عن خبير ومفكر موسوعي كبير يحيط بجل قضايا عصره ومعارفه، علاوة على ما اشتهر فيه وتفوق فيه من تصويره للحرب، وإيراده لكل ما له علاقة لغوياً أو معنوياً بالحرب، من الأسماء والنعوت وآلة الحرب وقعقعة السلاح وصهيل الخيل ووقع حوافرها، وما يخلع على الرجال والخيل والسيوف والدروع من ألقاب.. والمثير في هذا الصدد أن تلك العلوم والقضايا قد بثها المتنبي بين ثنايا شعره بطريقة آسرة تحقق مقاصد البلاغة، حيث يجعل القارىء ذا الذائقة الشعرية يحار في حسن توظيفه لها في أنسب المواضع ملاءمة لها بين بيوت قصائده.

تحقيق تاريخي غير مسبوق:
في الأطروحة يقوم الدكتور الشريف بتحقيق تاريخي غير مسبوق لكل قصيدة من قصائد المتنبي وفق آلية اقتضت منه بحثاً تاريخياً مضنياً يقول: الشعر الموجود حالياً في معظمه غير مصنّف بدقة تاريخياً وزمنياً، فيما عدا بعض أشهر القصائد أرخت زمنياً لكافة القصائد، فما هو مؤرخ له أخذت به وما ليس مؤرخاً له حققت فيه وحاولت إيجاد تاريخ له بناءً على الأحداث والأزمنة والأشخاص، فلو ذكر في إحدى قصائده اسماً لشخص تعود أصوله إلى اللاذقية مثلاً ابحث عن ذلك الشخص متى كان حياً في اللاذقية مقارنة بالأزمنة التي كان فيها المتنبي متواجداً في اللاذقية، وعندما يتوافق الزمن مع وجود ذلك الإنسان على قيد الحياة في تلك السنة اعتمد على تحديد زمن القصيدة. عن المصادر المعتمدة في البحث يقول الدكتور الشريف: «استغرق البحث ست سنوات اعتمدت فيه على مئات المصادر التراثية والمراجع الحديثة والدراسات المعاصرة ومواقع الانترنت المعتمد عليها أكاديمياً.

البعد الاجتماعي في شعر المتنبي:
وبعد التحليل الجذري لأشعار المتنبي، كان السؤال عن أهم القيم الاجتماعية التي اشتملت عليها، يقول: «تشتمل أشعار المتنبي على خمس قيم اجتماعية تمثل البعد الاجتماعي في شعره، وهي على التوالي السلطة والأخلاق والقومية والاغتراب والدين، وقارنت التطور الشعري والفكري للمتنبي من بداية حياته وحتى مماته في كل بعد من الأبعاد الخمسة برسوم بيانية تعكس ذلك، كما قسمت فيما بعد كل بعد من الأبعاد الخمسة إلى قسمين يمثل أحدهما الاتجاه الإيجابي للمفردات المكونة للبعد، وفيما يمثل القسم الآخر المفردات ذات القيم السلبية، فلو أخذنا على سبيل المثال الأخلاق، نجد أن المفردات ذات المدلول الإيجابي في قيم الأخلاق مثلاً تمثلها المفردات «إحسان، تواضع، ثقة، ثناء، أكرم، أنعم..الخ» بينما تمثل المدلول السلبي بمفردات مثل «حقد، حسد، مستكبر، خبث..»، وذلك بواسطة تحليل إحصائي دقيق اكتشفت فيه أن تلك المفردات في مجملها تمثل خمس شعر المتنبي.
إعجاب الدكتور الشريف اللافت بالمتنبي يحيلنا إلى سؤال عن مدى موضوعية البحث وتعامله مع إيجابيات ومثالب المتنبي على السواء. ينافح الدكتور الشريف: «استخدمت كافة المناهج العلمية وحاولت أن أكون موضوعياً، لكن إذا كانت الموضوعية لا تتحقق إلا بإيجاد مثالب لا أجدها في الرجل فهذا أمر آخر، وأنا أرى أن شعر المتنبي يخاطب جميع فئات المجتمع وليس مقصوراً فقط على ذوي الجاه والسلطان. وإن كنت أجدني أحترم من يقولون بأن ساحة شعره كانت في ميادين الملوك والسلاطين ولكن ذلك لا يمنع من أن يقتبس منها سواهم قيماً ومعاني تلاقي هوى في نفوسهم يروجون بها عن بعض ضغوط الحياة وجحود المحبين.

رأي لجنة الإشراف:
أشرف على أطروحة الدكتور عبد الله الدكتور سمير حسن عميد كلية الآداب السابق، وخلفه الدكتور أحمد الأصفر بعد سفر الأول الى سلطنة عمان، المشرف المشارك الدكتور عبد اللطيف عمران، عن رأي لجنة المناقشة يقول: «ما سمعته من اللجنة إطراء أخجل تواضعي. قال الدكتور توفيق داؤود : إن الأطروحة جهد بحثي لا يصدر إلا عن شخص متمرس في إجراء البحوث وسبر أغوار المشكلات والاتيان بالحلول من الجذور العميقة، كما ذكر الدكتور محمد العبد الله: إن الأطروحة ذات أبعاد أكثر من أن تحصر في البعد الاجتماعي ففيها أبعاد تايخية، وأدبية واجتماعية ونفسية واقتصادية، وقد أثنت اللجنة على اللغة التي صيغت بها الرسالة في جميع فصولها، ورأى الدكتور عبد اللطيف عمران أنها تستحق مرتبة شرف» ، وأخيراً أوصت اللجنة بطباعتها وتوزيعها على الجامعات والمراكز العلمية.

ملخص عام:
تستمد هذه الدراسة أهميتها من خلال ارتباطها الوثيق بعلم اجتماع الأدب، لكونه من أحد فروع علم الاجتماع، الذي لا تزال الدراسات العربية فيه نادرة، ثم لكونها تتخذ من شعر أبي الطيب المتنبي مجالاً رئيساً لها، كمجسد «للأدب العظيم وبموجبه وضعت تساؤلات الدراسة، وتم تحليل ورصد أهم نتائجها على ضوء المناهج والطرق والأساليب العلمية المتعارف عليها في مجال الدراسات الأدبية والاجتماعية، و على رأسها منهجية علم اجتماع الأدب، مع توظيف المنهج التاريخي، والمنهج الوصفي التحليلي، والمنهج البنيوي، بعض مداخل الدراسات النقدية الأخرى في الدراسة الاجتماعية لشعر المتنبي، وبواسطة ذلك تم تتبع وتشخيص مراحل حياته والبيئات التي عاش فيها وتأثر بها، للتوصل الى نتائج وتفسيرات ممكنة للقيم الاجتماعية التي تضمنها شعره، وذلك بعد أن تم تحليلها بطريقة تحليل المضمون « content Analysis» وفقاً لبرنامج تحليل جذري صمم لتلك الغاية.
وقد تضمنت الفصول الثلاثة الأولى من الدراسة مقدمة نظرية عن علم اجتماع الأدب من حيث النشأة، والدراسات المبكرة والمعاصرة، ثم تشخيص عصر المتنبي بوضعه السياسي وطبقاته الاجتماعية، والتنشئة والعلاقات الاجتماعية التي تأثرت بها طفولته، وفي التحليل الوصفي للدراسة تم التتبع السوسيولوجي لحياة الشاعر بطريقة تكاملية على مدى الفصلين الرابع والخامس، فخصص الرابع لسوسيولوجيا المرحلة العربية من سيرة المتنبي، وهي مرحلة أخلص فيه الود لطلائع الطموح العربي، ابتداءً بسوسيولوجيا الانتماء والعقيدة، ثم تتبع بداياته الأولى في البحث عن الذات بين العراق والشام، فالسيفيات وبلوغ ذروة الألق الاجتماعي، وتأصيل القيم الاجتماعية في شعره بالبيئة الحلبية في ظل سيف الدولة، ذلك الزعيم العربي الذي أعجب ببطولاته وبسمات شخصيةرأى فيها المتنبي انعكاساً لقيمه وثوابته الفكرية والفلسفية واختتمت تلك المرحلة بهاجس الرحيل عنه بعد أن سيطر عليه الشعور بالهوان، فأذكى مشاعر الرفض الاجتماعي في شعره، وانتهى به الى هروب بائس غير معلن إلى مصر، وبه ابتدأ الفصل الخاص بسوسيولوجيا المرحلة الأعجمية من سيرة المتنبي، والتي لم يحظ فيها عربي واحد غير سيف الدولة وأخته خولة بأي قصيدة من شعره، فتم فيه تحليل دواعي وهيئة الرحيل الى مصر، وأثر بيئتها الاجتماعية عليه، ثم إسقاطات القهر الاجتماعي بكافورياته بعد أن خاب أمله في انتزاع الحكم من قبضة كافور، ليبرز الاغتراب كأحد أهم القيم الاجتماعية وراء هربه الأسطوري من مصر. وليختتم الفصل بتحليل صراع القيم في الفارسيات، وعلاقته بالغيلة السياسية التي أنهت حياته.

حوار : آصف ابراهيم
جريدة البعث العدد: 13768 - تاريخ: 2009-09-27
http://www.albaath.news.sy/user/?id=663&a=59473


بواسطة : hashim
 0  0  3974
التعليقات ( 0 )

-->