• ×

دعاة إعادة كتابة التاريخ يرون النبوة ثـورة قرشيـة والصحابة زعماء اشتراكيين

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط

دعاة إعادة كتابة التاريخ يرون النبوة ثـورة قرشيـة والصحابة زعماء اشتراكيين
للبروفسيور أحمد الزيعلي
لقاء الأستاذ فهد الشريف


عشق التاريخ منذ مراحل دراسته الجامعية، وزاد هذا الحب بحب آخر جاء من بوابة الآثار، التي بذل قصارى جهوده في سبيل ظهورها للمجتمع السعودي.. عالم الآثار البروفيسور أحمد الزيلعي، الذي كرم في الأسابيع الفائتة بمنحه الجائزة التقديرية في حفل جائزة ومنحة الأمير سلمان بن عبدالعزيز لدراسات تاريخ الجزيرة العربية.
انتقد بشدة فكرة إعادة كتابة التاريخ التي دعا إليها بعض المثقفين والمؤرخين، واتهم من يدعو لهذه الفكرة بأنهم يخدمون الفكر الشيوعي واليساري، ووصفهم بأنهم يبحثون عما يرضي أهوائهم الشخصية وميولهم الفكرية.
وكشف عالم الآثار شيئا من المعاناة التي يلقاها الباحث في ميدان الآثار الإسلامية من تلك الأحكام الصادرة بالتحريم أو بمصادرة بعض الآثار بطمرها أو إتلافها. وحذر في حواره للصحيفة من الاتجاه نحو الإزالات دون المحافظة على المعالم الأثرية، مقترحا أن نشجع الثقافة المتحفية وزيارة المعالم والمتاحف.
حرص على العلم
* كيف ترى جائزة ومنحة الأمير سلمان بن عبدالعزيز؟
تنبع منحة الأمير سلمان من منطلق حرصه على العلم وحبّه للتاريخ والآثار؛ لذلك قام بتمويل هذه الجائزة، فهو يصرف عليها ودارة الملك عبدالعزيز تحتضنها وتشرف عليها. والجائزة لها مجلس ولجنة علمية مستقلة. هذه الدورة الحالية هي الثالثة للجائزة التي سبق أن فاز بها مجموعة من الروّاد الذين هم أساتذة لي؛ ومنهم الأستاذ الدكتور عبدالرحمن الأنصاري، والأستاذ الدكتور محمد سعيد الرويثي، والأستاذ الدكتور عبد الله العثيمين. ونحن بعدهم إن شاء الله. هناك مجموعة من الباحثين الذين لم ينتهوا بعد من مشاريعهم البحثية ورسائلهم العلمية، هؤلاء لا يزالون في طور العمل ويحظون بدعم مادي كبير يساعدهم على الانتقال إلى أي مكان تحتاجه أعمالهم أو للتنقيب عن الآثار ويصرفون من هذه المبالغ على مشاريعهم البحثية. حينما تنتهي هذه الأعمال لا شك أن هذه المنحة سوف توضع على أغلفة هذه الأعمال وتوضح أنها بدعم وتمويل من منحة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز.
تحفيز الباحثين
* بصفتك باحثًا في المجال التاريخي.. ما هي دلالة وجود جائزة للدراسات التاريخية في المملكة وما الإضافة في ذلك؟
هذه الجائزة حافز كبير للباحثين. لا أحد يستطيع أن ينكر أن الجوائز من أهم المحفّزات الرئيسية للبحث العلمي وعلى الإبداع بشكل عام، حيث تساعد على إجراء الدراسات والحصول على المصادر والدراسات والآثار. هذه كلّها ممّا يحفّز على البحث في الآثار وتنشيط حركة البحث العلمي الذي تختص به الباحث وتساعد على إنجاز بحوث وأعمال رصينة تليق بالجائزة وصاحبها وبالوطن الذي هي فيه.
نقد التاريخ
* ثمّة دعوة من بعض الباحثين لإعادة كتابة التاريخ.. كيف تنظر لهذه الدعوة؟
هذه الدعوة أسمع عنها منذ أن كنت صغيرًا، ولكن هذا السؤال الذي تسألني إياه لا زلت أبحث له عن إجابة. ماذا يعنون بإعادة كتابة التاريخ؟ هل نقوم بتزويره؟ أم نكتبه من جديد؟ أم نلوي أعناق النصوص والكتابات والأحداث لتخدم أشياء معينة. إذا كنا نريد أن نقصد بإعادة كتابة التاريخ أن نخضعه ليخدم فكرًا معيّنًا كما حدث في الستينيات والسبعينيات حينما كان الفكري اليساري طاغيًا على البلاد العربية، حينما اعتبروا أن النبوة ثورة على الارستقراطية القرشية وأن بعض الصحابة زعماء اشتراكيين. هؤلاء استخدموا الفكر الشيوعي والماركسي لتطويع تاريخنا. هذا لعب بالتاريخ. التاريخ له مصادره وروايته ولا تستطيع أن تلغي هذه الروايات، وهذا التراث لنعيد كتابته من جديد. بعض الذين من خارج المجال التاريخي ويحسبون أنفسهم من المحدثين ويعيشون على موائدهم رأوا أن يخضعوا الرواية التاريخية للسند والجرح والتعديل كما فعل المحدثون. الأحاديث بها حدود وقتل وقصاص وجلد لكن التاريخ ليست به هذه الأشياء. الجرح والتعديل للأحاديث نسبة لأنها أحاديث أحكام وحدود وعبادات. التاريخ ليس كذلك، بل هو تاريخ. الباحث المدقق المحقق يستطيع من مختلف الروايات ومن خلال ما يطرحه عقله ويحكم به بعد أن يمسك بجميع أدواته البحثية يستطيع أن يحدد ما إذا كانت هذه الرواية صحيحة أم لا. من يطالبون بالرجوع إلى السند يريدون أن يحذفوا أشياء لا يريدونها ويشككون فيها ويقولون أنها كذب. أما الأشياء التي تسير وفق هواهم ويريدونها يثبتونها حتى وإن كان السند واحدا والمصدر واحدا. لهذا لا يوجد عدل. لا أرى بأسًا من نقد التاريخ أو دراسته أو تمحيصه أو أن نعرض جميع ما وصل إلينا على محكمة العقل وعلى الأدوات البحثية السليمة ولا نقطع به. لأن كثيرًا من الأمور التاريخية المقطوع بها ثبت مع الزمن أنها غير ذلك حيث تأتي مظان جديدة وأحداث جديدة ونظريات جديدة تدحض كثيرًا منه.
دراسة المعطيات
* معلوم أن التاريخ القديم لم يسلم من التشكيك فيه.. فهل خالجك شيء من هذا الشعور في تلك الروايات؟
لم يخالجني شيء، ولكن حتى الذين يقرؤون التاريخ بما فيهم العوام يقولون هذا صحيح وذاك غير صحيح. لا أستطيع أن أبت في الأمر حسب هوى الآخرين، ولكن لا بد من دراسة أي معطيات سواء كانت أثرية أو رواية أو تاريخية؛ ثم إن النتائج هي التي تحكم بعد الدراسة، والتمحيص وإخضاع تلك المصادر والمعطيات والوثائق للدراسة. من الممكن أن يقابل التشكيك أو النفي لمجرد النفي التسليم ببعض الأمور والروايات والأخبار التي تؤخذ على أنها مسلمات لمجرد أنها وردت في مصدر من المصادر. ومما عانيته أكثر من دليل.
مادة إجبارية
* الأمير سلمان تبنى تدريس التاريخ كمتطلب للجامعات.. برأيك ما المغزى من ذلك؟
هذا مطلب لنا منذ زمن طويل، وبيَّض الله وجه الأمير سلمان الذي عاوننا على ذلك. منذ أن كنت في مركز البحوث ونحن نطالب بذلك. حاولنا بشتى السبل أن يكون تاريخ المملكة العربية السعودية مادة إجبارية وهذا شيء مشروع متعارف عليه في كل دول العالم. التاريخ الوطني ينبغي أن يكون متطلبًا في الجامعات. أنا في الحقيقة سعيد بما سمعته عن هذا القرار، وهذا ليس بغريب على الأمير سلمان الذي نعده أبا المؤرخين، وهو قارئ في التاريخ ومطلع ومتابع لكل ما يُنشر. وأسأل الله أن يطرح البركة في وقته وأن يعينه ويطيل عمره. هذا الأمير يعنى بكل أمور التاريخ، وأنا أبارك للوطن قبل أنفسنا في الجامعات أن يكون تاريخ المملكة العربية السعودية متطلبًا جامعيًا. عندما نقول متطلبًا جامعيًا فإننا نعني به أنه يدرس من قبل المتخصصين سواء في التخصصات العلمية من طب وهندسة وصيدلة وزراعة وحاسب آلي وغيره، وأيضًا في الدراسات النظرية من آداب وعلوم اجتماعية وجغرافيا.
ضجر مُسبّب
* لكن هناك تضجر في بعض الأوساط من تدريس التاريخ وحجتهم أن هناك تنفير من آلية التعليم سواء التعليم العام أو التعليم الجامعي.. كيف ترى هذا التضجر الملموس؟
أي مادة من المواد لا بد أن يكون رد الفعل حولها تضجر وملل أو تفاعل. الأمر يعتمد بالدرجة الأولى على الأستاذ الجامعي أو المعلم في مراحل التعليم العام. من المعلمين من يستطيع أن يجذبك ويحببك في مادته ويعرف كيف يوصلها إليك. إذا وجد أن الأسلوب القصصي يمكن أن يحبب المادة إلى طلابه اتبعه. في الجامعات الطالب يستخدم وسائل إيضاحية وجداول توصل المادة إلى أذهان الطلبة. إذن المعلم هو الذي يتحكم في المادة وهو الذي يستطيع أن يحببها للطلاب أو لا يحببها. إلا الذي لا يجيد التاريخ. التاريخ محبب للكثيرين لأنه ببساطة حديث عن الماضي. الحديث عن الماضي دائمًا يجد صدى والناس تستمع إليه. والدي ووالدك وجدي وجدك إذا تحدثوا عن الماضي نستمع إليهم باهتمام. فما بالكم بالتاريخ وهو عبارة عن أحداث لا تنسى. لا أعني بالأحداث الحروب والسياسة ولكن حتى التاريخ الحضاري وكيف كانت الناس تأكل وتسكن وتعيش، حتى قبل أن نعرف الكبريت والغاز ووسائل الإضاءة الحديثة كان الناس يتخذون من الشجر الأخضر نارًا. كل هذه الوقائع التاريخية سواء كانت حضارية أو تتعامل مع ماديات وتراث أو قتال وتنازع بين قبائل وأمم فكل هذه أحاديث ماض لا يتضجر منها أحد إلا إذا كانت وسيلة الإيصال ليست على المستوى المطلوب.
اهتمام بالتاريخ الشفوي
* دارة الملك عبدالعزيز وضعت مشروعًا يهتم بالتاريخ الشفوي.. على أي وجه لمست إقبال الناس عليه؟
التاريخ الشفوي من أهم ما يمكن أن يلتفت إليه في وقتنا الحاضر. كان من المفروض أن تكون هذه الروايات الشفوية التي يتم تسجيلها قد حدثت منذ 50 سنة خلت وتستمر إلى اليوم وإلى 20 سنة قادمة. لكنه مهم جدًّا وأنا في الحقيقة سعيد جدًا بهذا المركز الذي به المشروع في دارة الملك عبدالعزيز للاستفادة منه بوصفه مصدرًا من مصادر التاريخ. أعلم أن دارة الملك المركز به مادة كبيرة وأظن أن هناك عملاً كبيرًا؛ لأن الدارة منظمة على الرغم من قلّة الموظفين لديها، لكنها منظمة وتعمل بمنهج واضح. هذا المركز من المراكز المهمة، والرواية الشفوية من المصادر المهمة لكتابة تاريخ الوطن. فما وصلنا مما هو مكتوب في المراجع والمصادر ما هو إلا قليل مما هو موجود في ذاكرة الناس. دارة الملك عبدالعزيز دعت كثيرًا من كبار السن قبل فترة من الزمن من مختلف المناطق وسجلوا معهم مقابلات ثم أرسلت فرق إلى مختلف مناطق ومحافظات وقرى المملكة وقابلت هذه الفرق الناس واستمعت إليهم وسجلت معهم.
تكامل التاريخ والآثار
* من ضمن مسوغات ومبررات منحك الجائزة والمنحة جمعك بين الآثار والتاريخ.. فكيف جمعت بينهما؟
أحمد الله أن هذه جاءت عن طريق الصدفة. أنا في الأصل تاريخي وتخرجت من جامعة الملك سعود ببكالوريوس تاريخ ونلت ماجستير في التاريخ، وابتعثت إلى خارج المملكة لدراسة التاريخ. لكن الموضوع الذي تعاملت معه فرض عليَّ أن أدرس مواقع أثرية وفيها كتابات. هذه رفدتني بمعلومات كثيرة لا تقل أهمية عمّا تكلمت عنه من التاريخ الشفوي. التاريخ الشفوي يأتيك بمعلومات غير موجودة في الكتب. هذه الشواهد جاءتنا من خلال الكتابات غير المباشرة. من خلال هذه الدراسات تعرفنا على مجتمع الناس وعلى التركيبة السكانية لهذه المواقع من خلال الانتساب إلى المهنة ومعايش الناس وأعمالهم. هذه أضافت إلى التاريخ بُعدًا جديدًا. ولهذا جاءت حيثيات الجائزة التي سعدت بها لتوضح التكامل بين التاريخ وبين الآثار. الدعم الذي ذكرته لك مثال لهذه الأمثلة. ذكرت مصكوكات القرامطة في بلاد الشام. كان القرامطة يتبعون الفاطميين وعندما جاؤوا إلى مصر وأسسوا القاهرة ثم إلى بلاد الشام والحجاز. أول ما قاومهم القرامطة الذين كانوا أدعياء لهم. كانوا يدعون لهم بالإمامة. إذًا لماذا حاربوهم؟ لتضارب المصالح وهذا موضوع يطول فيه الحديث. حينما ذهبوا إلى بلاد الشام سكوا عملة وكان معهم شعار الخلافة العباسية. وفي مكة فإن أبا أحمد الحسن بن أحمد خطب خطبة قال فيها: لو تنبهنا لما تنبه له بنو البويك الذين كانوا وزراء في الدولة العباسية وكانوا شيعة. هذا شيعي إسماعيلي يقول: لو تنبهنا لما تنبه له بنو البويك ذلك أنهم تركوا المذهب جانبًا وأطاعهم الناس. وغير الشعار العلوي الأخضر ولبس الشعار العباسي الأسود وحاربهم وحاصر حتى القاهرة خمس مرات. من خلال مسكوكات -والمسكوكة ليست لها مضامين كبيرة لكن لها فوائد قيمة- وجدت اسم أكثر من قائد عباسي، فهم ذهبوا وقتلوا الوالي الفاطمي في الشام وحاصروا القاهرة تحت شعار العباسيين.
تحريم الآثار
* أتيت إلى عالم الآثار والمجتمع كان ضد الآثار، حتى وصل الأمر إلى حد تكفير من يعمل في هذا المجال.. ألم تجد مضايقات في أن تتخصص في الآثار؟
هذه مشكلتنا نحن. من كان يحرّم الآثار يفعل ذلك لأنه سمع الآخرين يفعلون ذلك، بدون أن تكون له أية أدلة. لماذا تحرّم الآثار؟ كثير من الآثار حرّمت وأتلفت لأنها مجرد اتجاه نحو تحريم الآثار. هناك اتجاه لدى سواد أعظم من الناس بعدم تحريمها. أنا شخصيًا أتعامل مع الآثار الإسلامية وهي ليست مثل الآثار القديمة التي قد تكون في شكل أصنام. الآثار الإسلامية تختلف. أتحدث عن الآثار بوجه عام لأنها مفيدة جدًا. كانت هناك دراسات عن أيام الحجاج بن يوسف الثقفي. في اليمن كان هناك من ينقب عن الآثار في المقابر. طبعًا ليس بالطريقة التي نعمل بها نحن من أن الذهب وقطعة الفخار بمستوى واحد من الأهمية. لكنهم كانوا يبحثون عن الذهب. البعض أرسل من ينقب عن الآثار في الحرم. في أيام الخليفة المأمون كان هناك بحث في الحرم عن الذهب. هناك في القرآن آيات للتفكر في الأرض. كل هذه الأمور تجعلنا نتفكر في ما حولنا.
سد الذرائع
* لدى بعض المتشددين مواقف واضحة وصارمة من الآثار الإسلامية كالمواقع التي غيبت.. أين تقف من ذلك؟
أتفق معك، وكنا في السابق نتجنب المرور على مناطق الآثار حتى لا يأتي المتشددون ويقومون بإزالتها وتدميرها على غرار ما حدث في أكثر من موقع. حتى بعض المساجد القديمة حاولوا أن يطمروا آثارها بدعوى تجديدها، مع أن هذه المساجد في بعض القرى ليست في حاجة للتوسعة. التوسعة تكون في بعض المساجد الصغيرة التي يحتاج الناس لأن يقيموا فيها شعائرهم أو إذا كان آيلاً للسقوط. الأمثلة كثيرة. لم أتعامل مع المساجد القديمة كذلك ولكني أعرف ما حدث بحكم أنني مستشار في الآثار لسنين طويلة. هناك معاناة حقيقية في هذا الجانب. بعض الناس يقومون بهدم هذه الآثار من باب سد الذرائع أو غير ذلك. لكن غيرهم يرون أن الآثار يمكن أن تحد من التطور. نقول لهؤلاء أنه إذا كان هناك مكان يحتاج للتوسعة والتطوير للمصلحة العامة فإن الآثار لا ينبغي أن تقف عثرة أمام التطور ومسايرة العصر. دعونا نعمل حفريات استنتاجية لعلنا نجد آثارًا ونقوم بتحويلها لكنهم يأتون بليل ويطمرون المكان. حينما جاءت النية لبناء جسر البحرين وهذا مشروع لا يختلف في أهميته اثنان وهو مهم جدًّا وكان يمر في أهم المواقع الأثرية في البحرين. تم إجراء حفرية استنتاجية في مكان الجسر وجاءت نتائجها في كتاب بين أيدينا. في لبنان مثلاً وأثناء بناء أحد المراكز الكبيرة أجريت حفرية لعلها أكبر حفرية في العالم لاستكشاف الآثار التي تحت المكان. كثير من الكباري والطرق في المملكة مدت في مناطق أثرية. ليس في الوقت القريب وإنما منذ بداية شق الطرق خارج المدن. الطريق الموجود في شمال غرب المملكة ويأتي على الساحل مر على مناطق أثرية مهمة جدًّا. الآن هناك وعي أكثر والهيئة العامة للسياحة والآثار استطاعت إلى حد ما أن تراقب الآثار. أذكر أنه تمت الكتابة إلى وزارة الثروة المعدنية بعدم الترخيص لمصانع الأسمنت ما لم تكن هذه الأماكن خالية من الآثار وكذلك الطرق والجسور.
طفرة سياحية
* كنت عضوًا في مجلس إدارة الهيئة العامة للسياحة والآثار.. فلماذا لا تكون لدينا سياحة أثرية للمزارات أسوة بالبلدان الأخرى؟
أطمئنك وجميع المهتمين أن الهيئة العامة للسياحة والآثار ممثلة في قطاع الآثار والمتاحف أخذت تهيئ أمكنة كثيرة للسياحة. هناك مدن تراثية هدرت. هناك مواقع تم تطويرها بحيث تصبح أمكنة يقصدها السياح. مدائن صالح بها الآن فندق ضخم وهناك مجموعات كبيرة تزورها. عالم السعودية تنظم الآن رحلات خارجية تأتي إلى المملكة في شكل مجموعات وهناك تراخيص منحتها الهيئة العامة للسياحة والآثار لمرشدين سياحيين من باب الاستثمار السياحي. بعض المياه المعدنية هنا وهناك تهيأ للسياحة. معلوم طبعًا أن الهيئة العامة للسياحة عمرها قصير لكننا مقبلون على نهضة سياحية كبيرة وهي حقيقة طفرة. الحديث عن السياحة حتى عهد قريب كان يقال همسًا لكن هناك جهود كبيرة حاليًا. مدينة الدرعية وهي من أهم المدن السياحية تتم تهيئتها حاليًا وبها قصور آل سعود التي ترمم في الوقت الحالي وتتاح للسياح وبها حمامات بخار. بعد سنتين ستكون الدرعية بإذن الله بالشكل الذي ينشده السياح ليس فقط من الداخل وإنما من الخارج أيضًا.
نجاح الجمعية
* لكم نشاط في المجتمع المدني عبر جمعية التاريخ والآثار في مجلس التعاون الخليجي.. لماذا تم حصرها داخل إطار دول المجلس؟
الجمعية تضم أهل الآثار والتاريخ. لدينا في مجلس التعاون تجارب على المستويين السياسي والاقتصادي وهي تجارب ناجحة في محيطنا العربي. كانت هناك مخاوف من أن تكون الجمعية على حساب الجامعة العربية لكن ثبت بشكل واضح أنها في مصلحة الجامعة العربية. منذ أن كنت في الخارج وأنا أقول لزملائنا الذين تعرفت عليهم من الخليجيين: تعالوا فنحن في المملكة عمق استراتيجي لكم. كنت أقول لإخوتنا في الكويت لماذا البوابة الجنوبية. الكويت على سبيل المثال كان توجهها شماليًّا. كل التيارات التي تخطر على بالك كانت توجد في الكويت وتأتينا منها؛ الماركسية والإخوان والبعثيين والاشتراكيين. كان المجتمع منفتحًا والذين من خارج المجتمع كانوا أكثر ممن هم من داخله. وكانوا هم الذين يكتبون وينظرون وكان كثير من المثقفين يتلقون منهم. كثير من الناس كانوا يتأثرون. كنت أقول للزملاء: لماذا البوابة الجنوبية؟ بدأنا نعمل جمعية تخصنا كمؤرخين وأثريين أسميناها جمعية دول مجلس التعاون الخليجي. كانت لدينا جمعية المؤرخين العرب في القاهرة وتخوفوا كما تخوف الذين في الجامعة العربية من أن الجمعية الجديدة سوف تؤثر على القديمة. نحن خير داعم لاتحاد المؤرخين العرب الذي أنا عضو مؤسس فيه وعضو في الأمانة العامة. جمعيتنا من أنجح الجمعيات ولها خمس عشرة سنة ولدينا حركة نشر جيدة وملتقيات سنوية نعقدها في مختلف دول مجلس التعاون. من خلال أربعة سنوات حصلنا على وكلاء الآثار والمتاحف لدول مجلس التعاون على أن تتم استضافة مؤتمرات الجمعية سنويًا في إحدى دول المجلس حسب الترتيب الأبجدي لدول المجلس. في العام الماضي كنا في الإمارات العربية المتحدة وخلال أبريل القادم سنكون في البحرين والعام المقبل في المملكة العربية السعودية. هذه الجمعية أردنا لها أن تكون جمعية إقليمية تجمع أبناء مجلس الخليج من المؤرخين والأدباء والمفكرين لأن لنا أصول مشتركة وقضايا مشتركة. التاريخ والآثار يعنيان بجانب القضايا سواء أكانت تاريخية أو أثرية. الحمد لله جمعيتنا من الجمعيات الناجحة.
بطء سير الموسوعة
* إلى أين وصل مشروع موسوعة جدة الذي تشرفون عليه.. وما هي آخر أخباره؟
على الرغم من البطء الذي يلازم أعمالها إلا أن أخبار الموسوعة طيبة. كنا حينما بدأنا في الموسوعة نتوقع أن تصدر في سنوات محددة. أنت تستطيع أن تضع خطة زمنية لتبني برج. لكن أن تضع هذه الخطة لبحث علمي فهذا غير ممكن لأنه قد تأتيك في أي لحظة معلومات هنا أو هناك. تأخرت الموسوعة ولا شك ولكن العمل جار. حتى الآن انتهى العمل من عدد لا بأس به من المجلدات وأرسلنا بعضها إلى محكمين خارجيين وداخليين وأخضعناها لنفس الضوابط والمعايير التي تُحكَّم بها المواد العلمية في الجامعات. البعض الآخر من المجلدات لم ينته العمل فيه بعد ولكنه قطع شوطًا بعيدًا. نحن متمسكون بالأمل وفي نفس الوقت نأمل ألا يتأخر صدروها أكثر من ذلك.
سد الفجوة
* لماذا اخترتم جدة دون سائر مدن المملكة؟
لم أخترها ولم أحدد ذلك. طبعًا كنا في السابق نفكر في إنجاز أعمال علمية على مستوى جدة والرياض. كنت في الرياض أو على مستوى مكة. لم تكن لي معرفة خاصة بالأستاذ محمد السحلي الذي قام بتمويل الموسوعة. استدعاني ولا أعلم كيف عرف عني. وجدت أن لديه مشروعًا متكاملاً وأفكارًا ومجلدات بها أهداف محددة. أطلعني على كل ما لديه وطلب مني أن أتولى إنجازه. بطبيعة الحال فرحت لأن العادة هي أن نسعى نحن وراء من لديهم مشاريع مثل هذه. لكن السحلي هو الذي طلب مني ذلك. قمت بوضع الخطة في تسعة مجلدات واخترنا مجموعة من الزملاء المتخصصين ومعظمهم من جامعة الملك عبدالعزيز لأنهم الأقرب إلى المكان. وضعنا لكل مجلد فريقا مكونا من ثلاثة أو أربعة أشخاص لهم منسق. هم بمثابة هيئة تحرير مصغرة وكل منسق في هذه المجلدات هو عضو في هيئة التحرير النهائية التي أرأسها. العمل سار بصورة جيدة ولكن البعض انشغل. أساتذة أو زملاء يبحثون عن الترقي وكل منهم مهموم. بعضهم عمل مهندسًا في توسعة الحرم ولهم اجتماعات متواصلة، وبعضهم أوكلت له أعمال إدارية ووقتهم محدود. لكن العمل جار وحقيقة فقد فرح الكثيرون بهذه الموسوعة وجمعنا وثائق جيدة. استطعنا أن نحصل على وثائق من بريطانيا وتركيا ومصر والبرتغال. في القرن السادس عشر حاصر البرتغال جدة وضربوها. بعثنا من دخل إلى الأرشيف البرتغالي وجمع لنا مستندات عن ذاك الزمن. حينما تظهر هذه الموسوعة فسوف تسد فجوة وتصبح مرجعًا للدارسين.
جهود موزّعة
* في ضوء إشرافك على هذه الموسوعة.. ترى ما هي معوقات العمل الموسوعي؟
أشكر مجتمعي الذي يعوّل علينا في الجامعات ويختارنا لمثل هذه الأعمال، ولكن حتى أكون صادقًا مع نفسي وزملائي فإن منا من لديه مشاغل ومنا من لا يعطي نفسه خط رجعة ويستعد لكل الاحتمالات ويضع يده هنا وهناك وبالتالي يوزّع جهده. توزيع الجهد قد يقود إلى إبطاء العمل أو يكون المردود غير ما تتمناه. إذا قلنا أن مثل هذه الموسوعات ينبغي أن يتم تفريغ فريق لها. هذا صعب، وإما أن يكون عندنا المال الكافي لتفريغ والاستعانة بمن لديهم المهارات البحثية من الشباب والعاملين في القطاعات المختلفة ممن هم أقدر على البحث من كثير من زملائنا في الجامعة، وأنا أعرف هنا كثيرًا من الذين يعملون في التعليم العام ولديهم مهارات بحثية كبيرة وهناك من يعملون في جوانب أخرى اقتصادية وفنية وعلمية. في هذه المجالات هناك من يجيد البحث ولديه القدرة على الكتابة أكثر من بعض الزملاء في الجامعات.
مهمة التوثيق
* الجهود الفردية قدمت لنا مجلدات ومجهودات أكبر من الجهود الجماعية.. فما تفسيرك للأمر؟
الجهود الفردية قدمت جهودا كبيرة ويرجع ذلك لعدة أسباب أولها عدم وجود الوظائف كما هو الحال عليه الآن، مثل النويري والقلقشندي والمقريزي والظاهري. كان هؤلاء يعملون في الحكومة إما وزراء أو كُتّاب دواوين. لم أكن أعرف طبيعة دوامهم وهل لهم دوام رسمي كما هو الحال مع البقية. لكن كثيرًا منهم مثل الجاحظ حينما يكتب رسالة من رسائله ويهديها لوزير من الوزراء والوزير يثيبه بمبلغ 5 آلاف دينار وجارية، فهذه رفاهية كبيرة. كثير من مؤلفات القدامى كانت نقلاً صريحًا من بعضهم البعض. ابن بطوطة متأثر بابن جبير. لكن نحن لا بد أن نوثق حتى أبسط معلومة ونثبت لها مصدر ومرجع ومنا من يرتحل إلى أوروبا أو إلى أي مكان آخر ليرجع إلى مخطوطة ويقوم بتوثيقها. أرى أن التوثيق مسؤول عن ذلك، وفي الوقت نفسه لا أدعو إلى عدم التوثيق ولا أحب من بعض الأساتذة من غير السعوديين. التوثيق مهم.

المصدر: صحيفة المدينة الأثنين 24/2/1431هـ
http://www.al-madina.com/node/222476


بواسطة : hashim
 0  0  2576
التعليقات ( 0 )

-->