• ×

رحمة الله عليك أبا غيث

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
رحمة الله عليك أبا غيــث


أول ما عرفتُ الأستاذ عاتق البلادي من خلال كتاباته في مجلة العرب لصاحبها الشيخ حمد الجاسر، حيث كان ينشر فيها مقالاتٍ وبحوثًا تاريخية وجغرافية، وكنت اقرأها بشغف لما أجد فيها من عمق وجلد على البحث والتقصّي، وإبراز الحقيقة حول ما يكتب.
وفي ليلة من ليالي رمضان المبارك في أوائل التسعينيات الهجرية من القرن الرابع عشر، أتيت إلى مكتبة شيخي الأستاذ محمد سعيد كمال، فوجدت عنده الرجل، ولم أكن أعرفه ولا يعرفني شخصيًّا إلى تلك اللحظة، وبعد أن استقر بي المجلس، عرفنا الشيخ ابن كمال على بعضنا، وقال له: هذا الشريف الذي يستطيع أن يكتب لك عن المجرور الطائفي، وكان حينها يشتغل على كتابه (الأدب الشعبي في الحجاز)، فوافقت على ما أراد، وكتبتُ له بحثًا مقتضبًا عن المجرور، وبعثتُ به إليه.
ولكنني فوجئت عندما صدر الكتاب أنه نشر البحث سنده إليّ، ومذيله باسمي، وبعدها استمرّت الصداقة بيننا من ذلك التاريخ، وتجذّرت حتى بلغت الإخاء في الله، والمحبة للوفاء.
وكانت لا تسنح فرصة له إلاّ وزارني فيها، وأنا كنتُ كذلك. واستمرت هذه الصداقة والمحبة إلى أن توفاه الله.
وكان البلادي يمتاز بخلق دمث، وتواضع جم، لا يعرف الحقد، ولا يحب التطاول على أحد، يعفو عن كل مَن أساء إليه، أو جرح كرامته.
والأستاذ عاتق يستحق بحق أن يلقب بعلّامة الحجاز، لما كتبه عن مكة وآثارها ومآثرها، وعن أعلام الحجاز ومعالمه، وقبائله، وفروعهم، وعن كل موضوع يمت بِصِلةٍ إليه.
وقد بلغت مؤلفاته ما يناهز الأربعين كتابًا، وهو رحمه الله رجل عصامي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، حيث دخل مكة من بلدته عسفان، وهو في أول سن الشباب، فانصرف يطلب لقمة العيش في ذلك الزمن القاسي، وكذلك العلم في بعض المدارس الحكومية بمكة المكرمة، ولكنه كان أكثر تحصيله على أيدي علماء الحرم المكي الشريف الذي كانت حلقاتهم تغص به حتى كوّن نفسه علميًّا، وهو كما ترى حفر الصخر بأظافره في طلب العلم حتى بلغ مبلغ العلماء والباحثين والأدباء، وأصبح قامة علمية مرموقة في أم القرى بين جيله وأقرانه، أقول هذا بكل اختصار، ولو أردتُ التطويل لاحتجت إلى بحث مطوّل، ولا أعتقد أنني أستطيع إيفاءه حقّه ممّا يستحق من الثناء والتبجيل، وقد رحل عنّا -رحمه الله- والعيون تذرف عليه الدمع والصدور تستعر حزنًا، ولكن لا راد لإرادة الله، فرحمة الله عليك يا أبا غيث، وأسكنك فسيح جناته. إنه سميع مجيب.

الشريف محمد بن منصور آل زيد
المؤرخ النسابة
المصدر: صحيفة المدينة، الأربعاء 17/3/1431هـ


بواسطة : hashim
 0  0  1956
التعليقات ( 0 )

-->