• ×

عاتق البلادي .. المسافر إلى حضن التاريخ

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
ودع الوسط الثقافي والإعلامي الرحالة المتنقل المؤرخ والجغرافي عاتق البلادي يوم الثلاثاء 2/3/1431هـ قبل أن تمنحه الأيام إتمام كتابة سيرته. ومارس البلادي مهنة الصحافة في صحيفة البلاد بعد التقاعد من الجيش عام 97هـ، إذ كان مشرفا على صفحة البادية لأكثر من عشر سنوات، لينتقل بعد ذلك إلى صحيفة الندوة. ويعد البلاد من أواخر الرواد المؤرخين الذين أفنوا حياتهم في الترحال رصدا وتوثيقا لتاريخ وجغرافية وإنسان وتراث المملكة والجزيرة العربية منذ أن قرر الاستقالة من عمله في الجيش عام 1397 ليقود سيارته التي تربض إلى جوار بيته في مكة متنقلا بين المدن والهجر والأودية وحيدا لتوثيق تراث ومعالم الوطن، وهنا قال لنا قبل وفاته «كنت أنام في أي مكان، لا آبه بالزواحف والدواب، اكتشفت في رحلاتي أن لدينا ثروة حقيقية مكانية وبشرية».




سكن البلادي ساحة إسلام في أم القرى، وفي منزله لا بد وأن تقع عيناك وتأخذك قدماك إلى المكتبة، إذ تضم داره مكتبة تحوي كتبا مطبوعة ومخطوطة، إضافة إلى قائمة بالهدايا والشهادات التي حصدها التي منحت له تتضمن شهادات صحافية وتدريبية وتكريمية، إتمامه اللغة الإنجليزية من هيئة أركان حرب الجيش «رئاسة هيئة العمليات الحربية» في مصر عام 1385م، كلية التاريخ والاستشراف في جامعة الحضارة الإسلامية المفتوحة في مجال «التاريخ الوثائقي»، التي منحته رتبة علامة مؤرخ، وهي مساوية لدرجة دكتوراة الدولة.
ويقول المؤرخ النسابة محمد بن منصور آل زيد عن الرحالة الراحل «عرفت عاتق البلادي من خلال كتاباته في مجلة العرب، حيث كان ينشر مقالات وبحوثا تاريخية وجغرافية، وكنت اقرأها بشغف لما أجد فيها من عمق وجلد على البحث والتقصي، وإبراز الحقيقة حول ما يكتب».
ويتذكر آل زيد معرفته بالراحل قائلا «في أحد ليالي رمضان في أوائل التسعينيات الهجرية من القرن الـ 14، أتيت إلى مكتبة شيخي محمد سعيد كمال، فوجدت عنده الرجل، ولم أكن أعرفه ولا يعرفني شخصيا إلى تلك اللحظة، وبعد أن استقر بي المجلس، عرفنا الشيخ ابن كمال على بعضنا، وقال له: هذا الشريف الذي يستطيع أن يكتب لك عن المجرور الطائفي، وكان حينها يشتغل على كتابه الأدب الشعبي في الحجاز، فوافقت على ما أراد، وكتبت له بحثا مقتضبا عن المجرور، وبعثت به إليه.
وأشار آل زيد أنه فوجئ عندما صدر الكتاب وأسنده إليه، الأمر الذي تسبب في تعميق العلاقة والصداقة بينهما، مؤكدا أن البلادي يمتاز بخلق دمث، متواضع، غير حقود، لا يحب التطاول على أحد، يعفو عن كل من أساء إليه، «لذلك من الإنصاف إطلاق لقب علامة الحجاز عليه».
ويؤكد الباحث التاريخي محمد بن حسين الحارثي أن الدراسات الأكاديمية في الجامعات السعودية والعربية في مجال التاريخ وجغرافية الجزيرة العربية عامة والحجاز خاصة لا تخلو من كتب عاتق البلادي.
يقول الحارثي «بعد معرفتي بالراحل في جلسته الأسبوعية في داره في ساحة إسلام سعدت بالمشاركة عضوا في تنظيم حفل الاحتفاء به من جانب عدد من أشراف الحجاز من المهتمين بالتاريخ والأنساب مساء الخميس 2/2/1427هـ وألقيت كلمة في الحفل، وأعددت وقدمت في الحفل عرضا حاسوبيا بالمشاركة مع الشريف نايف القصير لأهم ملامح شخصية البلادي وإنجازاته وشهاداته ومؤلفاته».
ودعا الباحث التاريخي المثقفين، الكتاب، الصحافيين، رجال الأعمال، والجامعات في منطقة مكة المكرمة بإنشاء مركز ثقافي باسم الراحل عاتق البلادي في مكة تكريما لإنجازاته.
وأبان الحارثي أن مؤلفات البلادي تناهز الـ40 كتابا، خصوصا أنه رجل عصامي، إذ دخل مكة من بلدته عسفان فترة الشباب، وانصرف يطلب لقمة العيش والعلم في ذلك الزمن القاسي، وكان أكثر تحصيله العلمي على أيدي علماء الحرم المكي الشريف.
من جهته، يرى الدكتور زيد الفضيل أن البلادي أحد أبرز المؤرخين الجغرافيين المعاصرين ممن اكتسب بجهده معرفة ميدانية بشبه الجزيرة العربية، وبلاد الهلال الخصيب، إذ أرخ ووثق عبر رحلاته ومشوار حياته معالم هذه البلاد وتاريخ الإنسان فيها.
ويؤكد الفضيل أن البلادي يعد من أواخر جيل الرواد الذين تركوا إرثا معرفيا كبيرا لا يمكن لأي باحث معاصر إلا أن يعود إليه، فهو يشبه تاريخ الحسن البصري وياقوت الحموي وحمد الجاسر وغيرهم.
ويقول الفضيل: «إن البلادي أنتج لبلاد الحرمين الكثير من المؤلفات، وخص أهلها بالعديد من الدراسات ككتب نشر الرياحين، تاريخ الحجاز، معجم الحرمين، ما يعني أن اسمه سيظل محفورا في ذاكرة الجميع».
ويصف الباحث عبد الله آل جازان الشريف شخصية البلادي بالشاملة ذات التاريخ المميز، أمضى حياته في الترحال، خلافا لتميزه بعلم الأنساب والحرص على هذا العلم، إضافة لإنتاجه الأدبي والثقافي والتاريخي، حتى تحول إلى وراق لحرصه على إيصال الكتاب للجميع تأليفا وتوزيعا.
ويرى الشريف أنه يتعين على الجهات المعنية بالنشر العمل على جمع مؤلفات البلادي وطباعتها وتوثيقها باعتبارها إرثا وطنيا لا يجب تجاهله أو إهماله.

د. عاتق بن غيث البلادي



* ولد في مكة المكرمة 3 شوال 1352هـ، ونشأ في البادية، حيث رعى في صغره الماشية، وتأثر بوالده الذي كان قصاصا ونسابة شاعرا ناقدا، وحفظ في صغره شعر قومه.
ــ نشأته:
* بعد وفاة والده، نزل إلى مكة المكرمة وبدأ يتلقى علومه في المسجد الحرام على يد علماء المسجد، ولمدة ثلاث سنوات.
* والتحق في المعهد العلمي السعودي في مكة.
* وتخرج فيه ليلتحق في المدرسة العسكرية في الطائف عام 1376هـ.
* حصل على دبلوم في الصحافة من معهد عمان العالي في الأردن عام 1378هـ.
* حصل على دبلوم اللغة الإنجليزية عام 1385هـ من معهد اللغات في الرياض.
* نال درجة الدكتوراة في التاريخ من إحدى الجامعات اللبنانية 1427هـ.
ــ حياته العملية:
* عين عام 1372هـ في الجيش في الطائف على رتبة نائب كاتب خلال الفترة من 15/5/1372هـ إلى21/6/1375هـ، حيث رقي إلى وكيل.
* في 1/4/1376هـ تخرج من مدرسة المشاة برتبة وكيل ضابط.
* في 17/6/1394هـ عين في ركن عمليات الفوج الأول في المنطقة الشمالية، ثم تسلم قيادة الفوج بعد ذلك.
* في عام 1396هـ نقل إلى سلاح الحدود، حيث تسلم قيادة قطاع رابغ.
* التحق على وظيفة رئيس المجلس العسكري في سلاح الحدود في جدة وهي آخر وظيفة عمل بها، حيث صدر الأمر في 1/11/1397هـ بإحالته إلى التقاعد بناء على رغبته التفرغ للأعمال الفكرية.
ــ مؤلفاته وأعماله:
* بلغ مجموع ما نشره من أعماله نحو 24 كتابا.


المصدر : صحيفة عكاظ ، السبت 11ـ 9ـ 1431هـ

بواسطة : hashim
 0  0  2137
التعليقات ( 0 )

-->