• ×

غار حراء فيه بدأ نزول الوحي في رمضان

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
غار حراء فيه بدأ نزول الوحي في رمضان
د/عدنان عبدالبديع اليافي
26/7/2012م
موقع مكة المكرمة:
يحدد الباحث الدكتور عبدالله صالح الرقيبة موقع المسجد الحرام قائلا: يقع المسجد الحرام الذي يعد مركز منطقة مدينة مكة المكرمة من الجانب الفلكي على دائرة عرض 25/21 شمال خط الاستواء وتنحصر المدينة بين دائرتي عرض 20/21 -30/21 شمالاً . ويقول الرقيبة أن وقوع مكة على تلك الدائرة العرضية يجعلها تتوسط شبه الجزيرة العربية من حيث درجات العرض .
ويستطرد الرقيبة قائلاً: أما من ناحية درجات الطول فتقع مكة المكرمة على خط طول 50/39 شرق جرينتش وتنحصر المدينة بما فيها المشاعر المقدسة التي تمتد بنحو الجنوب الشرقي قليلاً بين خطي طول 45/39, 40 شرقا .
كما يذكر الرقيبة أنه من الجانب الجغرافي فإن مكة " تقع وسط تلال صخريه تسمى"بالمرتفعات الساحلية" ما بين السهل الساحلي على البحر الأحمر غرباً وبين جبال السراه المرتفعة شرقاً"(1). وتبعد مكة المكرمة عن جده التي تقع غرب مكة بحوالي 72كيلو مترا ، ومن الجهة الشرقية تقع الطائف على بعد من مكة يقارب بعد جده عن مكة .
ويقول الدكتور الرقيبة إن مكة المكرمة جزئا من (الدرع العربي) الذي يشكل غرب شبه الجزيرة العربية وأجزاء من وسطها , ويقول إن معنى ذلك أن " أرض مكة تتكون من الصخور النارية والمتحولة التي يتكون منها الدرع العربي" .
ويبين الرقيبة في بحثه أن مكة المكرمة تقع وسط تلال صخرية تسمى بالجبال الساحلية , ويقول :إن هذه الجبال عبارة عن جبال وتلال متقطعة توازي في امتدادها السهل الساحلي وقد نتحبت عن عملية انهدام أحدثت حفرة البحر الأحمر.
ويتحدث الرقيبة في بحثه عن الجبال الواقعة حول الحرم المكي الشريف ويذكر من جملتها جبل حراء , الذي يقول عنه: إنه يقع الى الشمال الشرقي من مكة المكرمة على يسار الذاهب من مكة إلى الطائف عن طريق السيل ويسمى أيضا جبل النور. ويقول إن ارتفاعه يبلغ 634م وأن فيه منحدرات حادة في كل الاتجاهات ويحتوي على غار حراء الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يخلو فيه للعبادة .
جبل النور وغار حراء:
يعتبر جبل حراء أحد أهم جبال مكة التاريخية, ففي غاره بدأ نزول الوحي على سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ومنه انطلقت الرسالة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم عندما بدأ نزول الوحي فيه على النبي صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان من العام الأول للبعثة . ويقع هذا الجبل الذي يحكي جزءا هاما من تاريخ البلد الأمين في شمال مكة المكرمة مقابل جبل ثبير . وهذا الجبل فريد في شكله بين الجبال وصفه الشيخ المحقق طاهر الكردي قائلا: هو جبل معروف قمته تشبه الطربوش الذي يلبس في الرأس , أو كسنام الجمل الأصيل السمين , أو كالقبة الملساء فلا يوجد جبل بمكة ولا بالدنيا كلها يشبه جبل حراء , فهو بين الجبال فريد الشكل والصورة.(2) ويقول الكردي أن جبل حراء كان جبلا معظما حتى في الجاهلية ويذكر أحد أبيات قصيدة ابوطالب الذي يقول:
وثور ومن أرسى ثبيراً مكانه
وراق ليرقى في حراء ونازل(3)
جبل النور وغار حراء في المصادر:
يُعرف ابن منظور في(لسان العرب) الغار, بأنه:"مغار في الجبل كالسرب , وقيل الغار كالكهف في الجبل , والجمع غيران" .(4)
ويعرف ابراهيم القادري في كتابه (غار حراء وغار ثور) الغار في اللغة بانه " البيت المنقور في جبل اذا صغر ، فان كبر فهو كهف " ويذكر القادري ان حراء : " اسم الجبل الذي فيه الغار ويسمى جبل النور ايضاً". ويقول القادري إن حراء هو التجويف الحاصل من تسان الصخرتين الكبيرتين في ذروة الجبل المطله على الكعبة المشرفة". (5) وحدد القادري موقع حراء بأنه في الشمال الغربي من مكة المكرمة وهو على ثلاثة اميال من الكعبة المشرفة ، على يسار الذاهب الى مدينة الطائف في طريق السيل(6)". ثم يصف الغار قائلاً:" طول الغار اربعة أذرع ، وعرضه ذراع وثلاثة ارباع ذراع من ذراع الحديد" .(7)
وفي احد اهم واقدم المصادر التاريخية ينقل ابو الوليد الازرقي من اهل القرن الثالث الهجري (توفي سنة 223هـ) ما جاء عن ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حُبب اليه الخلاء فكان يأتي حراء فيتحنث (يتعبد) فيه.(8)
وجاء في كتاب (أخبار مكة) لصاحبه الامام عبدالله محمد بن اسحاق الفاكهي رحمه الله (وهو من علماء القرن الثالث الهجري أيضاً) والذي حققه معالي الدكتور عبدالملك بن دهيش جزاه الله خيراً أن عائشة رضي الله عنها قالت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأتي حراء فيتحنث فيه ثم يرجع الى خديجة رضي الله عنها (9).
كما ذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم " كان يختبيء في جبل حراء من أذى المشركين" (10)0
أما ياقوت الحموي ، المتوفى عام 626هـ فتحدث عن حراء في (معجم البلدان) قائلاً : إن " حِرِاء بالكسر والتخفيف والمد ، جبل من جبال مكة على ثلاثة أميال وهو معروف ومنهم من يؤنثه فلا يصرفه" ويستشهد الحموي بقول جرير :
ألسنا أكرم الثقلين طراً
واعظمهم ببطن حراء ناراً

وذكر الحموي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان " قبل أن يأتيه الوحي يتعبد في غار من هذا الجبل" وبيّن أن ثبيراً "جبل شامخ يقابل حراء وهو جبل شامخ أرفع من ثبير في أعلاه قُلة شامخة زلوج".(10)
كما ورد في كتاب ( شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام) من تأليف قاضي مكة الطيب تقي الدين بن أحمد بن علي الفاسي المالكي ، المتوفى عام 832هـ ، الذي حققه د/عمر عبدالسلام ، أن نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم كان في حراء في غار فيه.(11)
وذكر الفاسي أن هذا الغار " بأعلى حراء في مؤخره وهو غار مشهور". كما نقل الفاسي عن أبي عبيدة البكري أن حراء " جبل صعب المرتقى لا يُصعد إلى أعلاه إلا من موضوع واحد على رصفه ملساء ، في جميع جوانبه منقطع لا يرقاه راق". والموضع الذي نزل جبريل عليه السلام فيه أعلاه من مؤخرة في شق. (12)
وجاء في كتاب (الجامع اللطيف) لصاحبه ابن ظهيرة القرشي المتوفى سنة (986هـ) أن جبل حراء ويسمى جبل النور لكثرة مجاورة النبي صلى الله عليه وسلم وتعبده فيه وما خصه الله به فيه من الإكرام بالرسالة ونزول الوحي عليه في الغار الذي بأعلاه كما في "صحيح البخاري" حتى فجأه الحق ، وهو في غار حراء(13)
ويذكر ابن ظهيرة أن الغار الذي بحراء "مستقبل القبلة من غير انحراف وليس غيره كذلك"(14).
وكان الرحالة عبدالله بن محمد العياشي المتوفي سنة 1090هـ بعد وصولة إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج , زار حراء ووصفه قائلاً: " هو جبل بأعلى مكة على ثلاثة أميال منها .. وأن الغار في أعلاه من الناحية الغربية الموالية لمكة "... ثم وصف طلوعه الجبل قائلاً: " وقد خرجت لزيارته مع جماعة من أصحابنا في احدى ليالي ذي القعدة سحراً ، وصلينا الصبح بعدما تجاوزنا بيوت مكة كلها ووصلنا اعلاه عند طلوع الشمس ، وهو مع صعوبته قد سويت طريقه" كما ذكر أن الدابة " يمكنها الصعود براكبها الى أعلاه". ثم تحدث العياشي عن مساحة الغار فذكر أنه صغير جداً يسع ثلاثاً أو اربعاً فيما أظن" واستطرد قائلاً " أن باب الغار منتكب على ناحية الشمال". ثم ذكر " أن الجالس في الغار يرى الكعبة" (15) .(واليوم مع إتساع العمران في مكة المكرمة يرى الجالس في الغار الحرم الشريف من الخارج الكاتب).
وكان ابراهيم رفعت باشا في كتابه " مرآة الحرمين " قد وصف جبل حراء الذي زاره عام 1318هـ - 1901م , فقال: " فوصلنا إليه بعد خمسين دقيقه بالسير المعتاد , وهذا الجبل يقع في شمال مكة على يسار الذاهب إلى عرفات بعيداً عن جادة الطريق بنحو ميل "0 ثم يصف تجربته في صعود الجبل قائلاً: " وقد صعدنا هذا الجبل في 35 دقيقة , وأنه يكاد يكون عمودياً , فلذا كان صعب المرتقى , واضطررنا إلى الاستراحة مرتين أثناء الصعود " (16) .
وجاء في كتاب (معجم الاماكن الوارد ذكرها في صحيح البخاري) لصاحبه الباحث سعد بن جنيدل أن الازرقي قال : إن جبل حراء : هو الجبل الطويل الذي بأصل شعب آل خنس مشرف على حائط مورش والحائط الذي يقال له : حائط حراء على يسار الذاهب الى العراق وهو المشرف القله مقابل ثبير غيناء ، محجه العراق بينه وبينه. ونقل بن جنيدل ايضاً عن ياقوت : قوله : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قبل ان يأتيه الوحي يتعبد في غار من هذا الجبل وفيه أتاه جبرائيل عليه السلام. كما ينقل ابن جنيدل قول عرام: ثبير جبل شامخ ، يقابله حراء ، وهو جبل شامخ أرفع من ثبير ، في أعلاه قلة شاهقة زلوج (17).
اما المؤرخ المعاصر العلامة الشيخ عاتق بن غيث البلادي فيذكر ان حراء " هو الجبل الشامخ ذو الرأس الأزلج المقابل لثبير الاثبره من الشمال بينهما وادي افاعية ياخذه (افاعية) الطريق من مكة الى الشرق مارا باليمانية ، فيه الغار الذي كان يتعبد فيه صلى الله عليه وسلم وفيه نزلت عليه اول سورة من القران الكريم" ويبين البلادي أن حراء كان يسمى " ثبيراً الأعرج ، ويسمى اليوم جبل النور ، يسيل منه الى الغرب وادي جليل ، وقد وصل اليوم (وقت كِتَابَة البلادي كِتَابَةُ) عمران مكة الى سفوحه الغربية " كما يذكر البلادي أن حراء يرتفع 200 متر عن سطح البحر(18) ، وبسفحه الجنوبي آثار عين الزعفران ، وهي من العيون التي أجرتها السيدة زبيدة الى مكة ثم انقطعت(19).
وأقول أنه قد تسنى لي ولله الحمد أن أزور هذا الغار عدة مرات , وقد وجدت أن الغار يتطابق مع الوصف الذي قدمه هؤلاء الرحالة والمؤرخون .
وكنت دوماً أبدأ تسلق الغار قبل شروق الشمس تجنباً لحرارة الشمس ويستغرق صعود الجبل حوالي الساعة . وجزئا من الجبل كان مرصوفاً بالدرج , إلا أن أكثره كان وعراً .
وكانت صعوبة صعود الجبل تختلف من جزء لأخر, وكنت أحمل على ظهري في حقيبة بعضا من مستلزماتي الشخصية , من ماء وطعام وما إلى ذلك . وما أن وصلت إلى قمة الجبل الملساء , حتى إتضح لي انه يتوجب علي الأنزلاق منها إلى الجهه الأخرى من سفح الجبل, حتى أتمكن من الوصول إلى الغار , لأن التسلق من الجانب الذي به الغار غير ممكن . وفي أعلى جبل النور تستطيع أن تقف على مصطبة تلامس منها النسيم ,وترى الطيور عيناً لعين , ومنها بعض الصقور التي صادف وجودها في الوقت نفسه على مقربه من الجبل وهي تسبح في الفضاء , ومن تلك الفسحة على سفح الجبل تظهر كثير من بيوت مكة المكرمة وبعض من جبالها خاصة إذا كان الجو صحواً فتكون الرؤية أوضح , ومن داخل الغار يستطيع الإنسان أن يرى المسجد الحرام والمنطقة المحيطة به .
وبعض أجزاء الجبل بها درج بسيط وبعضها الأخر لا يوجد فيها إلا صخور يرتقيها الصاعد .
وبعد الأنتهاء من زيارة الغار تبدأ رحلة العودة , ونزول جبل النور أشد صعوبة من طلوعه , نظراً لشدة إنحدار الجبل . واستغرق زمن رحلة النزول حوالي نصف وقت الطلوع .
هذه نظرة سريعة على تاريخ غار حراء الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم- يتعبد فيه قبل نزول الوحي عليه وقد بدأ نزول القرآن الكريم في شهر رمضان من العام الأول للبعثة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة وأجل التسليم في هذا الغار الشهير في جبل النور أحد أهم معالم البلد الحرام .

المراجع
(1)الرقيبة, عبدالله بن صالح: الحج إلى مكة المكرمة , رسالة ماجستير , جامعة الأمام محمد بن سعود الإسلامية , قسم الجغرافيا , الرياض, 1404هـ - 1405هـ , ص/4.
(2)الكردي , محمد طاهر: التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم, دار خضر, بيروت, ج/2, 1420هـ -2000م , ص/410 .
(3) المصدر السابق, ص/410 .
(4)ابن منظور , جمال الدين محمد بن مكرم: لسان العرب, دار صادر , بيروت, الطبعة الثالثة , 2004م , ص/98 .
5) القادري ، ابراهيم : غار حراء وغار ثور ، دار القادري ، دمشق ، 1421هـ - 2000م ، ص/19 .
6 المصدر السابق, ص/19 .
7) المصدر السابق, ص/ 20 .
8) الازرقي ، ابو الوليد محمد بن عبدالله : اخبار مكة وما جاء فيها من الاثار ، تحقيق رشدي الصالح ملحس ، مكتبة الثقافة ، مكة المكرمة ، الطبعة العاشرة ، 1423هـ - 2000م ،ص/204
9) الفاكهي ، محمد بن اسحاق : اخبار مكة في قديم الدهر وحديثه ، تحقيق عبدالملك بن دهيش ، مكتبة ومطبعة النهضة الحديثة ، مكة المكرمة ، 1407هـ - 1987م ، ص/94
10) الحموي ، ياقوت بن عبدالله : معجم البلدان .
11) الفاسي : شفاء الغرام ، ص/462 .
12 المصدر السابق, ص/ 463 .
13) ابن ظهيره ، محمد بن محمد ، بن ابي بكر : الجامع اللطيف في فضائل مكة واهلها وبناء البيت الشريف ، تحقيق د/علي عمر ، مكتبة الثقافة الدينية ، القاهرة ، 1423هـ - 2003م ، ص/499 .
14) المصدر السابق, ص/300
15) الجاسر ، حمد : مقتطفات من رحلة العياشي ، الرياض 1403هـ ، ص / 53-65
16) مرآة الحرمين ص/58 .
(17) بن جنيدل ، سعد بن عبدالله : معجم الاماكن الوارد ذكرها في صحيح البخاري ، دارة الملك عبدالعزيز ، الرياض ، 1419هـ - 1999م ، ص/181-182 .
18) البلادي ، عاتق بن غيث ، : أودية مكة المكرمة ، دار مكة المكرمة ، 1405هـ - 1985م ، ص/104 .
(19) البلادي ، معجم معالم الحجاز الجزء الثاني , دار مكة , مكة المكرمة , (1399هـ-1979م),ص/249 .


د/عدنان عبدالبديع اليافي
26/7/2012م




بواسطة : hashim
 1  0  2448
التعليقات ( 1 )

الترتيب بـ
الأحدث
الأقدم
الملائم
  • #1
    13-09-33 01:18 مساءً ابو فهد الشريف :
    بارك الله فيكم نشكركم على هذا المقال (غار حراء فيه بدأ نزول الوحي في رمضان) للدكتور عدنان عبدالبديع اليافي
-->