• ×

تأملات في نازلة الاعتداء على السفارات

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
تأملات في نازلة الاعتداء على السفارات
لأحمد بن مسفر العتيبي

بسم الله الرحمن الرحيم
المعترك الفكري يتسابق مع المعترك البدني فيغلب أحدهما الآخر إذا كان أحد الخصمين ضعيف الحجة قليل الحيلة . استنبطت هذه القاعدة من قصة أوردها أهل السِّير في ترجمة العلامة أبو بكر الباقلاني (ت: 403هـ ) رحمه الله تعالى ،خلاصتها : أنَّ قيصر الروم بعث الى عضد الدولة الديلمي( ت: 372هـ ) يطلب منه أن يُوفد إليه عالما للمناظرة في النبوات . فوقع اختيار الديلمي على العلامة الباقلاني . فلما وصل إليهم أدخله الحُجَّاب على قيصر من جانب بيت الصنم ، ليدخل كالساجد للصنم فيشمتوا به! ، فلما رأى الأصنام مستقبلة الباب، فهم قصدهم وولَّى الصنم ظهره ودخل القهقرى، فبطل مكرهم.
ووجد النصارى مجتمعين حول قيصر . فقالوا له : امراة نبيكم زانية!! . فقال الباقلاني: امراة اختلت في الطريق برجل أجنبي اشدُّ انكارا في العقل، أم ولادة امراة ليس لها زوج ؟! فبهتوا .
ثم قالوا له : أنتم تشهدون بنبوة عيسى عليه السلام ولا نشهد بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ! . فقال : إنما نشهد بنبوة عيسى الذي شهد بنبوة محمد لا بمطلق عيسى، فإن المُسمَّين بهذا الاسم عندنا كثير ولا نقول بنبوتهم . فاستحسنه قيصر وبُهت الرهابين ، وشمت قيصر بضعف حجتهم ، وأكرم الباقلاني وعاد معظَّما الى بلده .
والمناظرة طويلة اختصرت منها ما يكون مقدِّمة لهذه العجالة .
تشهد بعض بلاد المسلمين اليوم اتلافا لسفارات الغرب وقتل بعض من فيها من المستأمنين والمعاهدين ، لغرض الانتقام لعرض الحبيب صلى الله عليه وسلم ، بعد بثِّ المادة المرئية العفنة التي أوجعت قلوب الملايين . والاستهزاء بالأنبياء ظاهرة قديمة أشار إليها القرآن في قول الله تعالى : " ولقد استهزىء برسلٍ من قبلك " ( الرعد :32 ) .
ولا شك أن السكوت عن الاساءة لعرض الحبيب صلى الله عليه وسلم منكر ووبال على الأمة الاسلامية . لكن الدفاع عن عرض الرسول صلى الله عليه وسلم لا يكون بمعصية الرسول صلى الله عليه وسلم !! .
واذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقتل المنافقين المنُدسِّين في صفوف الصحابة رضي الله عنه لما همُّوا بقتله في غزوة تبوك ، فإن الكفَّ عن جهل الغرب مع المسلمين أولى وأحرى وأقوى .
ووالله إن مقابلة الاساءة بالاحسان لأولئك الجهلة الحاقدين لهو أجدى لدحر كيدهم ومكرهم وخبثهم . وقد قال الله تعالى :" إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون " ( النساء: 104 ) . وقد قُذفت عائشة أُّمنا الطاهرة ( ت: 58هـ ) رضي الله عنها في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فلم يزدد الحبيب صلى الله عليه وسلم الا ثباتا وشموخا ، حتى في نفوس اعدائه .
وقد قال الامام مسلم ( ت: 261هـ ) رحمه الله تعالى : " الاعراض عن القول المطرح أحرى لاماتته واخمال ذكر قائله ، وأجدر أن لا يكون ذلك تنبيها للجهال عليه " .
وقد روى نعيم بن مسعود الأشجعي عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لرسولي مسيلمة حين قرأ كتابه: "ما تقولان أنتما؟ قالا: نقول كما قال، قال: أما والله لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما " . أخرجه أبو داود بإسناد حسن .
وثبت أيضا في الحديث: "إني لا أحبس البُرد" ومعناه : أن البريد أو الرسول لا يقتل، وإنما يؤمَّن حتى يرجع إلى الجهة التي جاء منها . أخرجه أبو داود بإسناد حسن .
فيستفاد من كل ما تقدم أن حِفظ العهود مع المعاهدين والمستأمنين واجب لا يجوز تجاهله أو انكاره لغرض الانتقام من نازلة وقعت على المسلمين من طرف السفلة .
وعليه فلا يجوز قتل البعثات الدبلوماسية والوفود الاجنبية في ديار الاسلام ، ويلحق بهم اللاجئون والمبتعثون والمقيمون . والقاعدة الفقهية نصَّت على أن المباح إذا اشتبه بالمحرم ، غُلِّب جانب المحرم توُّرعا عن نقض العهد أو الوقوع في الغدر أو سفك الدم الحرام .
إن المغتربين من المسلمين في بلاد الغرب يضطربون وجلا من تبعات هذه النازلة خوفا على مساجدهم ومدارسهم وأعراضهم وأموالهم ، والضرر الخاص كما قيل يتحمل لدفع الضرر العام .
إن شفاء غليل المسلمين المكلومين لا يكون الا بتنظيم استراتيجية قوية لردع السفلة من الغرب وعملائهم الحاقدين على رسول الله صلى الله عليه وسلم . ومن ذلك مقاطعة كل سلعة يُروِّج لها الغرب ، وهذا ما فعله ثمامة بن أثال( ت: 11هـ ) رضي الله عنه، بعدما أسلم، حيث قال لكفار قريش: "والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حِنطة حتى يأذن فيها النبي صلى الله عليه وسلم .
ومن ذلك أيضا التعريف بالحبيب صلى الله عليه وسلم باللغات العالمية . ومما يذكر فيشكر
قيام دولة قطر بالاعداد لانتاج مادة مرئية عن حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، بلغت ميزانية تمويله ( 450 مليون دولار ) . وقد اشترطت لبثِّه اجماع علماء الامة على محتواه .
نحن نعلم أن الغرب يبثُّ الفتن والدسائس للمكر بين المسلمين، وإيقاظ الفتن الطائفية ليجد موطء قدم في بلاد المسلمين لاستنزاف ثرواتها وخيراتها . ونعلم أيضا أن المسلمين يعانون من الضعف والهوان والتكالب على شهوات الدنيا وملذاتها . فلا مناص من تقوية بلادنا وعتادنا بما يؤهلنا لمنافستهم وكسر شوكتهم .
إن تقوية المعترك الفكري في الساحة الاسلامية ، لمناهظة الدعاية الغربية المغرضة من أوجب الواجبات على المربين والمصلحين وولاة الامر . فإن تأثير الكلمة اليوم بما يسمى بالاعلام الموجَّه من أمضى الاسلحة المعنوية في قلوب الناس .
أما العبث بمقدرات الغرب واتلاف أموالهم فإنه دليل على افلاسنا وضعف حجتنا ومخالف لسنة حبيبنا صلى الله عليه وسلم . والله من وراء القصد . والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
المصادر :
1-تاريخ بغداد / للخطيب البغدادي /5/379 .
2-وفيات الأعيان/ لابن خلكان / 4/ 324 .
3-مقاصد الشريعة / لليوبي / 44 .
4-اصول العلاقات الدولية /لعمر الفرجاني / 36 .
5-القاموس السياسي / أحمد عطية الله / 345 .


بواسطة : hashim
 1  0  6995
التعليقات ( 1 )

الترتيب بـ
الأحدث
الأقدم
الملائم
  • #1
    05-11-33 10:20 مساءً ابو فهد الشريف :
    أما العبث بمقدرات الغرب واتلاف أموالهم فإنه دليل على افلاسنا وضعف حجتنا ومخالف لسنة حبيبنا صلى الله عليه وسلم . والله من وراء القصد . والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .

    رأي سديد ، الأستاذ أحمد بن مسفر العتيبي يا هلا فيك بين أخوانك في موقع أشراف الحجاز
-->