• ×

من محاضرات الحفل: عاكش الضمدي وجهوده في التدوين التاريخي

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
عاكش الضمدي وجهوده في التدوين التاريخي
إعداد
خالد بن عبدالله الكُريري
المحاضر بقسم التاريخ جامعة الملك عبدالعزيز
1431هـ



الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين ، وبعد :-
بادئ ذي بدء ، فأحب أن أتقدم بالشكر والتقدير والعرفان إلى سعادة الأستاذ الأخ إبراهيم الهاشمي ، على عقد هكذا لقاءات علمية ، التي من شأنها إذكاء التواصل ، ومن ثم ، التمازج والتلاقح في الأفكار المطروحة .
وعلى أي حال ، وحرصًا على الوقت ، فسوف ألج إلى موضوع المحاضرة ، وهي عن العلامة عاكش الضمدي وجهوده في حفظ تدوين تاريخ منطقة المخلاف السليماني (جازان ) .
ولكن قبل البدء لابد من إعطاء نبذة مختصرة عن التدوين التاريخي في منطقة المخلاف فأقول :
يُّعد التدوين المحلي أحد اتجاهات الكتابة التاريخية وصورها ، وهو يمثل مرحلة من مراحل تطور الكتابة التاريخية عند المسلمين ، وقد جاء ، بادئًا ، نتيجة الضعف السياسي الذي اعترى جسد الدولة العباسية في كثير من أقطارها ، فظهر إزاء ذلك حركات استقلالية سرعان ما نتج عنها شعور وطني أذكاه أصحاب هذه الحركات بتشجيعهم على الكتابة المحلية لما يرونه تخليدًا لأعمالهم ، وإضفاء على شرعية استقلال حكمهم .
وقد أدى هذا الشعور بمؤرخي المخلاف السليماني إلى العناية بتدوين أخباره ورصد أهم الحوادث التاريخية الواقعة فيه ، فكان أن ظهرت مؤلفات تاريخية كثيرة تنوعت بين كتب التاريخ والتراجم ، وذلك بدءًا من القرن العاشر الهجري.
أما عن أبرز مؤرخي المخلاف فيمكن استعراضهم في الآتي :
1- أحمد الأسدي :
هو أحمد بن مقبول بن عمر بن أبي بكر بن محمد الأسدي المشهور بالبلاع . أخذ العلم بادئًا عن علماء أبي عريش ، وكان ذا فصاحة وبلاغة ، وقد تولى قضاء جازان وكان حسن السيرة في قضائه ، وكانت وفاته بأبي عريش عام 962هـ / 1554م .
أما كتابه التاريخي فلا يُعرف له اسم إنما ذكر صاحب العقيق أن له تاريخًا بدأه من عام 901 هـ / 1495م وانتهى إلى سنة 960هـ / 1552م ، وهو أكثر ما يختص بالحديث عن إقليم جازان ، وقد مشى فيه على سبيل الاختصار ، وهو يُّعد بكتابه هذا رائد من وضع تاريخًا محليًا في تاريخ المخلاف السليماني . وإذا كان كتاب الأسدي مفقودًا فإن حفيد أخيه الأسدي الصغير في كتابه الجواهر الحسان قد حفظ الكثير من نصوصه وقد استوعب صاحب العقيق كلا الكتابين كما سيأتي بيان ذلك لاحقًا.
2- صالح النمازي :
هو نور الدين صالح بن صديق النمازي الخزرجي ، الأنصاري الأزدي نسبًا الشافعي مذهبًا . وقد ترك عدة مؤلفات مفيدة وكانت وفاته بجبلة عام 965هـ / 1557م .
أما كتابه : " السلاف في أخبار اليمن والمخلاف " ، فهو في حكم المفقود بالرغم من الجهود التي بذلها الباحث في البحث عنه ، وإذا كان لا يوجد معلومات عن زمن تأليفه فإنه يمكن القول أن النمازي ألفه عندما هاجر إلى صنعاء حيث وجد الجو المناسب وابتعد عن القلاقل السياسية التي كانت تدور رحاها في المخلاف ، ويبدو أنه بدأ تأليفه بعد منتصف القرن العاشر الهجري .
على أن أهمية هذا المصدر تظهر في نقولات بعض المؤرخين الذين أتوا بعده حيث ذكر المؤرخ أحمد بن محمد النمازي أنه اطلع على هذا المصدر ، وليس من المستبعد أنه نقل عنه الجزء الخاص بتاريخ المخلاف لا سيما ما يتعلق بتاريخ الأسر الحاكمة التي تواجـدت منذ القرن الخامس وحتى القرن العاشر الهجريين ، كالأمراء الغوانم والقطبيين والخواجيين
3- أحمد بن المقبول الأسدي :
وهو شمس الدين أحمد بن المقبول بن عمر بن المقبول الأسدي المعروف بأبي الفضائل. قرأ على علماء بلده أبي عريش في فنون كثيرة ، وارتحل إلى مكة المكرمة فقرأ على مشايخها في الفقه والأصلين ، ثم عاد إلى المخلاف وبعد وفاة والده تولى قضاء أبي عريش مدة طويلة، وكانت وفاته عام 1023هـ/ 1614م .
أما كتابه التاريخي فهو المسمى بـ : " الجواهر الحسان في تاريخ أبي عريش وجازان"، وقد وقع غير واحد من المؤرخين في لبس جراء التشابه بين اسمه واسم أخي جده وهو أحمد بن مقبول المتوفى عام 962هـ/ 1554م - المار ذكره - فنسبوا تاريخه إلى هذا ، كما أن البعض جانب الصواب في مسمى الكتاب عندما وسمه بـ : " الجواهر الحسان في تاريخ صبيا وجازان ".
وبالرغم من أن صاحب العقيق لم يذكر اسم كتاب الأسدي الكبير المتوفى عام 962هـ/ 1554م ولا اسم كتاب الأسدي الصغير المتوفى عام 1023هـ/ 1614م ، إلا أنه يمكن الاستدلال وربط ما ذكره من أن أحمد بن المقبول الذي كان يكنى بأبي الفضائل بما اتفق عليه مؤرخو المخلاف السليماني في القرنين الثاني والثالث عشر الهجريين من أن الأسدي الملقب بأبي الفضائل هو صاحب كتاب الجواهر الحسان في تاريخ أبي عريش وجازان
ومن هنا يترجح للباحث أن الأسدي الصغير المتوفى عام 1023هـ/ 1614م هو صاحب الكتاب .
وعلى أي حال فقد كان هذا الكتاب إلى عهد قريب موجود كما يذكر أحد المؤرخين حيث أعاره إلى أحد الأشخاص وفقد منه ، وقد بذل الباحث جهدًا في تتبعه والحصول عليه إلا أنه لم يظفر به .
ومهما يكن من أمر فقد حفظ صاحب العقيق الكثير من كتابات الأسدي وقد أشار إليه في أكثر من موضع من كتابه.
4- عبدالله بن علي النعمان :
وهو عبدالله بن علي بن محمد بن حسن بن إبراهيم النعمان. وبالرغم من شهرة هذا المؤلف وكتابه إلا أنه لا توجد له ترجمة كاملة من بين كتب التراجم التي أمكن الاطلاع عليها ، تبين مولده ونشأته وطلبه للعلم ، وكل ما ذكر عنه إشارات تفيد على أنه صاحب كتاب العقيق اليماني ، وأنه كان قاضيًا للمخلاف السليماني ، وحددت وفاته بعام 1078هـ / 1667م.
أما كتابه فهو العقيق اليماني في وفيات وحوادث المخلاف السليماني، وهو كتاب ضخم يؤرخ للحوادث والوفيات بين عام 750- 1068هـ / 1349-1657م.
وإذا كانت أهمية كتابه تكمن في نقولاته عن سابقيه من المؤرخين إذ قد حفظ بنقله هذا مادة تاريخية هائلة وهي المدة المؤرخة التي تبدأ منذ عام 750 / 1349- وإلى أوائل القرن الحادي عشر الهجري لا سيما فيما يتصل بما دون في تاريخ المخلاف حيث تظهر نقولاته في استيعابه لما دونه أحمد بن المقبول الأسدي الملقب بأبي الفضائل (ت 1023هـ/ 1614م الذي استوعب هو الآخر كتاب أحمد بن مقبول الأسدي ( ت962هـ / 1554م الذي سطره في تاريخ إقليم جازان ، ويُّعتبر النعمان بعمله هذا قد قدم خدمة جلية إذ إنه حفظ نصوص الكتاب الذي يُّعد في حكم المفقود .
إلا أن الأهمية البارزة لكتابه تنحصر في المدة التي عاصرها ، فقد كان شاهد عيان لحقبة مهمة وهي الحقبة التي صاحبت الوجود العثماني الأول في المخلاف السليماني حيث كان من أبرز معالمها عدم الاستقرار السياسي في المنطقة واستتباب الأمن فيها .
5- محمد بن أحمد الأسدي :
بالرغم من شهرة أسرة هذا المؤرخ إلا أن المصادر التاريخية التي تسنى للباحث الرجوع إليها لم تتصد لترجمته وبيان حاله ، ويبدو أنه كان أحد علماء أبي عريش حيث وصف بالعلامة( ) في إحدى نقولات صاحب خلاصة السلاف عنه .
وإذا كان صاحب السلاف قد نقل مقدمة الأسدي التي جاء فيها على ذكر أسماء لبعض المؤرخين ومنهم ابن أبي الرجال الذي يُّعد آخرهم وفاة ؛ حيث توفي عام 1092هـ / 1681م ، فهذا يعني احتمالية أن الأسدي قد عاش في النصف الأول من القرن الثاني عشر الهجري .
أما عن مسمى كتابه فيذكر صاحب السلاف أن له كتابًا يسمى : " بهجة الزمان المكمل للجواهر الحسان " المار ذكره آنفًا ، وقد تتبع الباحث هذا المصنف إلا أنه لم يظفر به .
ويُّعد نقل صاحب خلاصة السلاف لمقدمة الأسدي إشارة مهمة وهي أن حلقة التأليف في تاريخ المخلاف لم تنقطع فضلاً في أن هذه الإشارة تقدم حافزًا قويًا على تتبع هذا الكتاب إذ ربما قد تحتفظ به بعض الأسر المحلية التي تقطن في منطقة جازان لا سيما أسرة الأسدي.

6- علي بن عبدالرحمن البهكلي :
مولده بضمد عام 1073هـ/ 1662م ، ووفاته عام 1114هـ / 1702م ، وخلف وراءه بضعة مصنفات.
وقد ألف كتابًا في التاريخ أسماه بـ : " العقد المفصل بالعجائب والغرائب في دولة الشريف أحمد بن غالب " ، وهو مخصص كما يتضح من العنوان في سيرة هذا الشريف القادم من مكة المكرمة والذي حكم المخلاف في المدة بين عام 1102 1105هـ / 1593- 1596م . وبالرغم من أن المدة المؤرخة في الكتاب لا تتجاوز أربع سنوات إلا أنه يُّعد المصدر الوحيد لتلك الحقبة ،كما أنه ضم تفاصيل مهمة ودقيقة شهدها المخلاف وقتذاك فضلًا عن أن مؤلفه كان معاصرًا وشاهد عيان في تلك المدة .
7- أحمد بن محمد النمازي :
من الملفت للنظر أن المصادر المخلافية لم تتصد لترجمة هذا المؤرخ ، وكل ما ذكر عنه اتصافه بالأدب ، وأن له شرحًا على مقامة أدبية. ويتضح من تاريخ النمازي أنه عاش قريبًا من منتصف القرن الثاني عشر الهجري ، حيث أورد بعض الإشارات عن أول حاكم من الأسرة الخيراتية في ذلك الوقت وهو الشريف أحمد بن محمد آل خيرات الذي تولى الحكم في المدة بين عام 1141هـ - 1154هـ / 1728-11741م.
أما كتابه المعنون بـ " خلاصة السلاف في تاريخ صبيا والمخلاف " فقد مر بمرحلتين حيث ذكر النمازي في مقدمة تاريخه أنه كتب تاريخًا مشتملًا على كثير من حوادث المخلاف أسماه : " السلاف في أخبار صبيا والمخلاف " ، وقد جعله ذيلًا على مؤلف صالح النمازي وهو : " السلاف في أخبار اليمن والمخلاف " .
غير أنه رأى وبعد مدة أنه قد فاته تدوين بعض الحوادث والأخبار فأخذ مستدركًا في إضافتها إلا أنه رأى تغيير اسم كتابه فاستقر به الحال على تسميته : " خلاصة السلاف في أخبار صبيا والمخلاف " ، وجعله كما يقول ذيلًا على كتابه الأول.
ومن الجدير بالذكر أن المتداول حاليًا بين سكان منطقة جازان هو الكتاب الثاني للنمازي وهو الخلاصة ، في حين ظل كتابه الأول السلاف في حكم المفقود .
أما مضمون الكتاب فهو يؤرخ للأسر الحاكمة في المخلاف منذ أيام الأشراف الغوانم وانتقال الحكم بعد ذلك من هؤلاء إلى بني عمهم الأشراف القطبيين ثم استقرار الحكم في يد أسرة الأشراف الخواجية .
وإذا كان أغلب ما جاء عن هؤلاء كله مجرد نقولات عن مؤرخين سابقين فإن في حديث النمازي عن الصراع الذي نشب بين الأشراف الخواجيين والشريف أحمد بن محمد الخيراتي هو حديث المعاصر حيث كان شاهد عيان وواقف على تلك المدة ، وهو وإن كان يمثل وجهة نظر الخواجيين ( حكام صبيا ) وميوله ظاهرة تجاههم إلا أن المادة العلمية المقتضبة التي أتى بها عن الشريف أحمد بن محمد الخيراتي يمكن أن تشكل مجالًا رحبًا للمقارنة بما ورد في كتابات عبدالرحمن بن حسن البهكلي في خلاصة العسجد الذي يُّعد أول من انفرد بالكتابة عن أسرة آل خيرات بشكل مفصل .
8- الحسن بن علي البهكلي :
عالم ، فقيه ، أديب ، شاعر . مولده بهجرة ضمد عام 1099هـ / 1687م ، ونشأ في حجر والده ، ورباه خاله علي بن عبدالرحمن البهكلي ورافقه حضرًا وسفرًا ، متتلمذا على يديه وآخذًا عنه جل معارفه ، ثم رحل إلى صنعاء وأخذ عن علمائها ، وبعد عودته إلى المخلاف شد الرحال إلى مكة المكرمة حاجًا وآخذًا عن علمائها ، وبعد رجوع إلى وطنه تولى قضاء جازان وأبي عريش مدة ، وكانت وفاته بأبي عريش عام 1155هـ / 1742م .
أما مؤلفه التاريخي ، فيذكر ابنه عبدالرحمن الآتي ذكره أن له تاريخًا منظومًا في حوادث أيامه ، وقد تتبع الباحث هذا المصنف لدى أسرة البهاكلة في منطقة جازان ولم يجد أي معلومات لديهم تتصل بوجوده ، ويرجح الباحث مكان وجوده لدى أسرة آل النعمان ببلدة الشقيري ، وذلك لعنايتهم بحفظ المدونات التي تخص تاريخ المخلاف وتراثه .
9- عبدالرحمن البهكلي :
هو عبدالرحمن بن حسن بن علي البهكلي ، من علماء المخلاف السليماني .
ولد بضمد عام 1148هـ / 1735م ، وكانت وفاته بها عام 1224هـ / 1809م.
وقد ترك مؤلفين اثنين في تاريخ المخلاف السليماني هما :
أ*- خلاصة العسجد في دولة الشريف محمد بن أحمد .
ب*- نزهة الظريف فيما جرى بين أولاد الشريف محمد بن أحمد.
وتكمن أهمية كتابه الأول الذي يؤرخ للمدة بين عام 1141- 1184هـ/ 1728-1770م بكونه المصدر الوحيد المعاصر الذي تناول عهد الشريف محمد بن أحمد الخيراتي 1154- 1184هـ/ 1741- 1770م وجهوده الرامية في تكوين الاستقلال السياسي للمخلاف وتوحيده ، وقد قدم معلومات تفصيلية لجميع الحوادث التي خاضها الشريف محمد وهي معلومات قلما وُجد لها مثيل في أي مصدر آخر معاصر .
وإذا كان البهكلي قد خصص كتابه هذا للشريف محمد إلا أنه لم يغفل في رسم خطوط متكاملة عن الأسرة الخيراتية حيث تحدث في بداية كتابه عن جد الأسرة ، الشريف خيرات ، وعن سبب مجيئه إلى المخلاف قادمًا من مكة المكرمة ، كما تطرق في الحديث عن حفيده الشريف أحمد بن محمد ( 1141- 1154هـ/ 1728- 1741م ) واضع اللبنات الأولى لإمارة آل خيرات في المنطقة ، وهو بعمله هذا أراد أن يقدم للقارئ مادة تاريخية عن ماهية الأسرة الخيراتية وذلك قبل أن يلج مباشرة إلى الموضوع الرئيس من كتابه وهو الحديث عن عهد الشريف محمد بن أحمد الخيراتي .
أما كتابه نزهة الظريف فهو ذيل لكتابه الأول ، وقد خصصه في الحديث عن أولاد الشريف محمد بن أحمد ، وهو يتناول المدة بين عام 1185- 1204هـ/ 1771- 1789م ، وهي المدة التي تردت فيها أحوال المخلاف جراء الصراع الأسري الذي نشب بين أفراد البيت الحاكم من أسرة آل خيرات.
ويتميز البهكلي في كتابه هذا بدقة معلوماته وغزارتها ، وهذا يعود إلى معاصرته بل إنه كان مشاركًا في بعض الحوادث حيث إنه توسط مع مجموعة من العلماء لإنهاء الحالة المتردية في المخلاف وذلك بالتوصية لعزل الشريف حيدر بن محمد الذي كان حكمه محل غضب واستياء العامة ، وكان من نتيجة وساطته أن تعرض للسجن قرابة عام كامل( ). على أن هناك ضبابية تشوب موقف البهكلي في عدم إكماله لتاريخه هذا إذ إنه توقف فيه عند حوادث عام 1204هـ/ 1789م وكانت وفاته عام 1224هـ / 1809م.
والواقع أن هناك ثمة احتمالات حول توقف البهكلي فهو إما أنه قام بإكماله إلى قبيل وفاته وفُقد هذا الإكمال ، بيد أن هذا الاحتمال يُضْعِف من قوته عدم إشارات كتابات ابن أخيه ، البهكلي الآخر في نفح العود ، الذي بدأ كتابه بحوادث عام 1213هـ/ 1798م ، فضلًا عن أن عاكشًا أيضًا - رجع إلى كتاب نزهة الظريف في الفتنة التي وقعت في المخلاف الشمالي عام 1202هـ / 1787م ولم يشر إلى الحوادث التي تلت عام 1204هـ/ 1789م ، مما دل على توقف البهكلي عند عام 1204هـ/ 1789م .
أما الاحتمال الآخر وهو الأقرب للواقع فيكمن في الحالة النفسية التي كان عليها البهكلي فلم تكن الحوادث التاريخية التي تصدى لها في كتابه هذا مشجعة له على استكماله حيث تردت أوضاع المخلاف السياسية والاقتصادية والعلمية في هذه المدة ، وهجره الكثير من الأهالي والعلماء نتيجة هذه الظروف .
10- عبدالرحمن بن أحمد البهكلي :
ولد بصبيا عام 1182هـ/ 1768م ، ووفاته ببيت الفقيه عام 1248هـ / 1832م ، مخلفًا وراءه بضعة مصنفات .
أما كتابه التاريخي : " نفح العود في سيرة دولة الشريف حمود " ، فهو يتناول الحوادث بين عام 1213- 1225هـ / 1798- 1810م.
وقد تميز البهكلي كما تميز سابقوه بمعايشته للوقائع والحوادث التاريخية فقد كان معاصرًا ومعاينًا لها ويكتب عن قرب بل إنه كان مشاركًا في بعض منها .
وإذا كان البهكلي الكبير لم يكمل كتابه نزهة الظريف وتوقف فيه عند حوادث عام 1204هـ / 1789م ، فإن البهكلي الصغير قد توقف عند حوادث عام 1225هـ/ 1810م وعاش بعدها ثلاثًا وعشرين سنة ، ويقدم محقق كتابه احتمالين لتوقفه ، الأول : إما أنه قام بإكماله وفقد منه ما فقد من حوادث بعد عام 1225هـ/ 1810م ، والاحتمال الثاني يكمن في توقف البهكلي جراء مرض لازمه إلى حين وفاته .
ويختلف الباحث مع ما ذهب إليه المحقق ؛ فبالنسبة للاحتمال الأول فإن عاكشًا قد ذكر أن شيخه البهكلي لم يكمل كتابه ، وبلغ فيه إلى حوادث عام 1225هـ / 1810م ، وقام هو بإكماله إلى حوادث عام 1233هـ / 1817م .
أما من حيث الاحتمال الثاني فإن البهكلي لم يتعرض لمرض لازمه مدة طويلة بل كان في قمة نشاط العلمي ، ولم يرد في المصادر التاريخية المعاصرة ما يفيد بتعرضه لهذا المرض ؛ إنما كل ما ذكر من أن شخصًا دس له سمًا في آخر حياته فمات على إثره .
كما أن للبهكلي كتاب آخر في وفيات أعيان القرن الثالث عشر الهجري ، أشار إليه في نفح العود ، وتتبعه عاكش ولم يعثر عليه ، ورجح أنه لم يكمل .
11- علي بن محمد النعمان :
تتبع الباحث معظم كتب التواريخ والتراجم التي تصدت لتاريخ أعلام المخلاف فلم يعثر على ترجمة لهذا المؤلف ولا عن زمن حياته.
ومهما يكن من أمر ، فالمؤلف ينتمي إلى أسرة آل النعمان التي تقطن حاليًا بلدة الشقيري من ضواحي ضمد ، وقد اشتهر أفرادها بالعلم ، وتوارثوه منذ أوائل القرن العاشر الهجري حتى نهاية النصف الأول من القرن الرابع الهجري .
أما كتابه فهو معنون بـ : شرح الصادح والباغم ، ويظهر أنه معني بتاريخ المخلاف السليماني ، وقد ذكره عاكش في ثلاثة مواضع ، من بينها موضع جاء الحديث فيه عن مسمى ونسبة المخلاف السليماني .
وإذا كانت أسرة آل النعمان تحتفظ بتراث المنطقة وتاريخها في مكتباتها الخاصة ولا تطلع الباحثين عليها فقد استطاع أحد المهتمين بتاريخ المنطقة من الاطلاع على كتاب شرح الصادح والباغم، وذكر أنه مكون من جزأين ضخمين تناولت مادتهما أنساب قبائل المخلاف وأهم الحوادث التاريخية الواقعة فيه .
هذه عجالة لأهم وأبرز مؤرخي المخلاف الذين ظهروا منذ القرن العاشر وحتى القرن الثالث عشر الهجريين ، ويلحظ الباحث من خلال عناوين مؤلفاتهم ومادتها العلمية انحصارها في نطاق التدوين المحلي ، وهو ما سار عليه عاكش في كتابه الديباج كما سيأتي بيانه- ، وهذا يعود إلى تمتع المخلاف بالاستقلالية السياسية في بعض عصوره التاريخية .
أما عن مؤرخنا فأقول باختصار : هو الحسن بن أحمد بن عبدالله بن عبدالعزيز ، الشهير بعاكش -، الضمدي الأصل ، العريشي المولد والمنشأ والوفاة .
وأسرته هي من بين الأسر العلمية التي برزت في المخلاف السليماني، وقد حمل أبناؤها لواء العلم جيلاً بعد جيل ، وذلك منذ القرن العاشر الهجري ، وقد تصدوا للقضاء والإفتاء والدرس والتدريس ، إضافة إلى ما خلفوه من مصنفات علمية في مختلف العلوم والفنون.
أما ما يتعلق بمولد مؤرخنا :
فقد ولد عام 1221هـ ، وتوفي والده وهو لما يتجاور السنتين من عمره ، فقام برعايته وكفالته وتنشئته عمه حسن بن عبدالله الذي لم يألُ جهداً في تقديم العون والمساعدة لابن أخيه .
كان ذلك الحرص وتلك الرعاية عاملاً مهماً في توجيه عاكش وحثه على الاشتغال بالعلم منذ نعومة أظفاره ، حيث أثمرت بادئاً بإتقانه للقرآن الكريم ، على يد أحمد بن عبدالله بن علي النعمان الذي كان أولُ شيخ يتتلمذ له عاكش .
على أن تلك الرعاية له لم تكن لتقتصر على عمه ، إذ قد أسهم تلاميذ والده في نشأته ومن ثم في بروز شخصيته العلمية ، حيث إنهم رأوا أن من الواجب والبر بشيخهم رعاية ابنه والقيام على تعليمه مادياً ومعنوياً ، فالشريف الحسن بن خالد الحازمي أعطاه جل اهتمامه، وكان لا ينفك عن إمداد الأسرة مادياً ، الأمر الذي ساعد وحفز عاكشٌ على التفرغ التام لطلب العلم في صغره.
على أن من أهم العوامل التي ساعدت عاكش في نشأته وصقل شخصيته العلمية مبكراً ، حالة الاستقرار السياسي والنشاط العلمي والاقتصادي التي نعم بها المخلاف السليماني على عهد الشريف حمود بن محمد ، حيث أصبحت عاصمة الدولة أبي عريش مكاناً وموئلاً لكثير من العلماء القادمين من المخلاف وخارجه كالعراق والحجاز واليمن، وأصبح جامعه في المدينة يعج بحلقات العلماء الكبار و " محط رحال المدرسين " ، حيث قُررت لهؤلاء العلماء النزل والجرايات ،كما عمرت البلاد بالمدارس وانتشر المدرسون في كافة أرجاء المخلاف لتعليم العامة أمور دينهم .
وبعد أن نهل عاكش رحيق علم علماء المخلاف شد الرحال للطلب خارجه ، فذهب إلى اليمن ، وتتلمذ على علمائها ، ولعل من أهمهم العلامة المشهور محمد بن علي الشوكاني الذي كان له ولمؤلفاته كبير أثر على عاكش لاسيما فيما يتعلق بفنون الاجتهاد وعدم الالتزام بمذهب معين ، ومنهم أيضاً العلامة محمد بن علي العمراني ، ومحمد بن المساوى الأهدل ، ومحمد بن الزين المزجاجي ، وغيرهم الكثير والمجال لا يتسع .
كما رحل إلى مكة وأخذ العلم عن جهابذة من مثل أحمد بن عطا الهندي ، ومحمد ياسين ميرغني ، وغيرهم .
وقد ترك عاكش مؤلفات في مختلف الفنون ، فقد ألف في التفسير ، وألف في العقيدة والفقه والنحو ، وقد ترك مجموعاً شعريًا ، خرج أخيرًا بتحقيق الدكتور حسن النعمي.
وكانت وفاة مؤرخنا في الثامن عشر من شهر ذي العقدة عام 1290هـ ، رحمه الله رحمة واسعة.
أما فيما يتعلق بمؤلفاته التاريخية ، وجهوده في تدوين وحفظ تاريخ المنطقة ، فأقول :
يُعد عاكش الضمدي أحد أبرز مؤرخي المخلاف السليماني في القرن الثالث عشر الهجري ، ويظهر ذلك جليًا فيما خلفه من تراث تاريخي جله في تاريخ المخلاف وتراجم أعيانه .
وتتسم مؤلفاته في تاريخ المخلاف بالأصالة والشمول والعمق والاستقصاء ، وهي من حيث الحجم أوسع ما كتب في تاريخ المخلاف على الإطلاق ، وهو أمر ما جعل عاكش يتبوأ مركز الصدارة بين مؤرخي المخلاف لا سيما فيما يتعلق بمؤلفاته في كتب التراجم .
أما عن مؤلفات عاكش ، فيمكن رصدها في الآتي :
أولاً- عقود الدرر بتراجم علماء القرن الثالث عشر :
1- يُعَدَّ هذا الكتاب من أميز ما خلفه عاكش ، فهو في حجمه يعد أعظم مؤلفاته على الإطلاق ، إذ قد جاء بعد تحقيقه في 1025 صفحة إذا ما استثنيت منه دراسة المحقق وفهارس الكتاب ، وهو كتاب يختص بتراجم الرجال ، حيث احتوى الكتاب على 265 ترجمة من علماء وأعيان القرن الثالث عشر الهجري .
أسباب التأليف :
وقد أوضح عاكش في مقدمته عن أسباب دعته إلى تأليف كتابه هذا ، وقد حصرها في سببين اثنين ، ويمكن بيانها في الآتي :
1- أراد عاكش أن يحصر كتابه هذا في تراجم علماء وأعيان القرن الثالــث
عشر الهجري دون أن يكتب كتاباً شاملاً يختص بتراجم علماء الأمة ، إذ أن رجالاً قد سبقوه في هذا الميدان وتكفلوا بذلك ، فهو وإن أقحم نفسه في هذا الباب فلن يأتي بجديد وتكون حصيلة ذلك إهدار للوقت وعدم الوقوف على فائدة .
2- ضمت تراجمه مجموعة من مشايخه وغيرهم من العلماء والأعيان ، فأراد تخليد ذكراهم بتدوين مناقبهم ، وذلك من باب الواجب والبر والإحسان بهم .
أما عن تأريخ تأليف الكتاب :
فقد أشار محقق الكتاب أن عاكشًا شرع في تأليفه منذ مرحلة مبكرة ، وذلك لوجود إشارات في تراجمه تعود إلى عام 1262هـ/ 1845م ، وأنه انتهى منه بعد عام 1287هـ/ 1870م .
ونؤيد ما أشار إليه المحقق من حيث الانتهاء من التأليف ، غير أننا نختلف معه في بدايته ،حيث نرجح أنها لم تبدأ إلا بعد انتهاء عاكش من تأليف تفسيره المشهور الذي انتهى منه في عام 1277هـ/1860م .
ولعل قرينة هذا الترجيح تكمن في أن جميع التراجم التي دونها عاكش في مرحلة مبكرة ، قد نقلها نصاً ودون تصرف من كتابه الآخر حدائق الزهر بما في ذلك مقدمته ، وقد كان عاكش يشير إلى هذه الترجمات في كتابه العقود .
أهمية الكتاب :
2- يعطي الكتاب صورة واضحة المعالم لسمات الحياة العلمية في جنوب غرب الجزيرة العربية بشكل عام ، وفي منطقة المخلاف السليماني بشكل خاص .
3- لم تقتصر التراجم على علماء وأعيان المخلاف السليماني ، إذ قد ضم الكتاب ، تراجم مهمة لعلماء من خارجه ، كاليمن وعسير والحجاز ونجد والعراق والسودان والحبشة والمغرب .
4- احتوى الكتاب على كثير من المناقشات العلمية سواء أكانت عقدية أم فقهية أم أدبية .
5- ضم الكتاب مادة سياسية مهمة ، ويمكن رصدها في تراجم الأمراء والقادة .
6- ضم الكتاب مادة اجتماعية تختص بمنطقة المخلاف السليماني ، ويتجلى ذلك في تحبير القضاة ومعاونوهم لأوراق الصلح ، وذلك لقطع الشجار بين الأهالي .
7- مما يزيد الكتاب أهمية معاصرة عاكش ، فهو يترجم لمجموعة من شيوخه الذين تتلمذ على أيديهم وعرفهم عن قرب ، ويترجم لأمراء ارتبط معهم بعلاقات وطيدة ، كما أنه يترجم لأعيان ارتبط معهم بصداقات متينة، وكذلك لأشخاص زاملوه في طلب العلم أو ممن تتلمذ على يديه.
8- احتوى الكتاب على تراجم لشيوخ عاكش لم يأت على ذكرهم في كتابه الآخر الذي خصصه لهم وهو حدائق الزهر .
ثانيًا - الديباج الخسرواني في أخبار أعيان المخلاف السليماني :
يحتل هذا الكتاب مكاناً متميزاً من بين مصنفات عاكش ، فمن حيث الحجم فيحتل المرتبة الثانية بعد كتابه عقود الدرر .
وقد ألف عاكش بادئًا- هذا الكتاب في سيرة الشريف الحسين بن علي بن حيدر وسماه: " الذهب المسبوك في سيرة سيد الملوك "، غير أنه وبعد مدة أضاف إليه مدة حُكمي الشريفين حمود بن محمد أبو مسمار والشريف علي بن حيدر فأصبح الكتاب يحمل عنوان " الذهب المسبوك في ذكر من ظهر في المخلاف السليماني من الملوك ".
إلا أن عاكشًا وبعد مدة أضاف إلى كتابه مجموعة من التراجم لبعض علماء وأعيان المخلاف السليماني ، وحيث إن هذا العنوان لم يعد مقصورًا على ملوك المخلاف فقد ارتأى عاكش تغييره إلى مسمى : " الديباج الخسرواني في أخبار أعيان المخلاف السليماني " ليتوافق عنوان الكتاب مع مضمونه.
والحق ، فقد ناقش محقق كتاب الديباج وهو البشري- هذا الأمر وقدم استنتاجات منطقية تثبت أن عاكشًا أراد في نهاية المطاف أن يحمل كتابه مسمى الديباج .
وما يمكن أن نضيفه هنا من حيث استقرار عاكش على وسم عنوان كتابه بالديباج إشارته في الإتحاف وهو أحد مؤلفاته المتأخرة حيث قال : " وقد ترجمنا له ولكثير من علماء هذا البيت في كتابنا عقود الدرر والذهب المسبوك وهو المسمى الديباج الخسرواني".
وكذلك قوله في مقدمة تكملته لنفح العود الذي انتهى منه عام 1285هـ / 1868م :" وكان قد ألفت مجموعًا في أخبار أعيان المخلاف السليماني، وسميته الديباج الخسرواني .
وبالرغم من أن صاحب نفح العود قد دون حوادث المخلاف منذ عام 1213هـ/ 1798م وتوقف في تاريخه إلى عام 1225هـ/ 1810م ؛ إلا أن عاكشًا لم يعتمد عليه إذ كان مفقوداً وقتئذ، وكتب عاكش ديباجه هذا نقلاً عن أناس شاركوا في صنع الحدث التاريخي أو ممن كانوا على مرأى ومسمع من تلك الحوادث .
أهمية الكتاب :
تبرز أهمية الكتاب في معاصرة عاكش للحوادث السياسية التي شهدها المخلاف السليماني ، حيث قام بتدوين حوادث سياسية مهمة وقعت في عهد الأشراف آل خيرات في المدة ما بين عام 1254- 1271هـ/ 1838-1854م كالصراع السياسي بين أمراء المخلاف السليماني وأمراء عسير ثم الصراع مع أئمة اليمن .
على أن أهمية الكتاب لا تقتصر على الجوانب السياسية فحسب ؛ إذ قد اشتمل على جوانب علمية ، وتتضح صورة ذلك جلياً في تراجم سير بعض العلماء ، من حيث التطرق إلى نشأتهم وطلبهم للعلم وذكر مصنفاتهم ومناصبهم العلمية ، وكذلك من خلال الاستطرادات العلمية والأدبية .
وما يضفي على الكتاب من أهمية أيضاً ، احتواؤه على جوانب جغرافية كتاريخ اختطاط بعض المدن في المخلاف واليمن في عصر المؤلف والدقة في ذكر أماكن مدن قديمة بتحديد مواقعها ومسافاتها مع ضبط ألفاظها في بعض الأحيان.
كما تضمن كذلك على جوانب حضارية كبناء الجوامع والمساجد والأوقاف والنزل للمدرسين وطلبة العلم ، وبناء الأسوار والقلاع والحصون وإقامة الآبار. واحتوى الكتاب على جوانب اقتصادية كسك الشريف حمود بن محمد العملة في أماكن متفرقة من دولته كأبي عريش والزهرة وزبيد ، الأمر الذي يعنى بالضرورة تمتع المخلاف السليماني في بعض عصوره بالاستقلالية السياسية .
كما أعطى تفصيلات عن الصراع الذي نشب بين أسرة آل الخيرات والذي أعقب رحيل الشريف الحسين بن علي حيدر .
ثالثًا- حدائق الزهر في ذكر الأشياخ أعيان الدهر :
يعد هذا الكتاب من الكتب المهمة التي ألفها عاكش ، حث يحتل من الحجم المرتبة الثالثة بعد كتابيه عقود الدرر والديباج الخسرواني ، وقد جاء في تراجم الرجال، إذ خصصه لتراجم شيوخه ، حيث رأى في ذلك تخليداً لذكراهم.
وذهب البشري وهو محقق الكتاب- وتبعه آخرون إلى أن عاكشًا قسم كتابه هذا إلى قسمين : الأول : في تراجم شيوخه ، والثاني في تراجم زملائه، الأمر الذي يعني بالضرورة أن عاكشاً وضع لنفسه تصوراً ومنهجاً لهذا التقسيم قبل الشروع والبدء في تأليف الكتاب .
غير أننا نرى أن عاكشًا لم يشر في المقدمة إلى منهج هذا التقسيم ؛ إنما أفاد أن كتابه مختص فقط بذكر تراجم شيوخه .
وما يدل على أن الكتاب خاص بشيوخه فقط ما ذكره عاكش وبعد الانتهاء من ذكر تراجم شيوخه من أنه أحب فقط أن يخلد ذكرى بعض من زاملهم في الطلب ، ووسم تراجمهم على أنها ذيل لتراجم شيوخه .
ونعلل في عدم الترابط بين العنوان والمضمون أن عاكشًا قصد بكتابه هذا أولاً تدوين تراجم شيوخه ، إلا أنه وبعد أن انتهى بمدة تراءى له أن يخلد ذكرى من تتلمذ معهم ، غير أنه لم يستدرك كتابة فكرته هذه في مقدمته ، ومن هنا جاءت عدم وحدوية المضمون وتوافقه مع عنوان الكتاب .
أهمية الكتاب :
1- تكمن أهمية هذا الكتاب لكونه يقدم صورة واضحة المعالم عن الحياة العلمية في جنوب غرب الجزيرة العربية وتحديداً في منطقة المخلاف السليماني ، موطن المؤلف ، حيث ضم بين دفتيه الكثير من المعلومات التي تتعلق عن ماهية العلوم المعتمدة في التدريس في ذلك الوقت ،كعلوم الحديث والفقه أو مثل علوم الآلة من صرف ونحو وبيان .
2- يقدم الكتاب سيرة لتراجم هؤلاء العلماء من حيث نشأتهم وطلبهم للعلم ، وأهم المناصب الدينية التي تولاها البعض منهم وذكر إنتاجهم العلمي.
3- يتميز الكتاب بالاستطرادات التي قد لا تخلوا من فائدة علمية كالاستطرادات العقدية والفقهية والأدبية .
4- يضم الكتاب سيرة ذاتية لعاكش لا سيما فيما يتعلق بحياته العلمية .
رابعاً - تكملة نفح العود في سيرة دولة الشريف حمود .
من المعلوم أن عبدالرحمن بن أحمد البهكلي ألف كتاباً في سيرة الشريف حمود بن محمد المشهور بأبي مسمار ( 1215- 1233هـ / 1800- 1817م ) وقد دون فيه الحوادث والوقائع التي شهدها المخلاف وبعض البلدان المجاورة مبتدأً بعام 1213هـ / 1798م ، وقد توقف فيه إلى حوادث عام 1225هـ/ 1810م بالرغم من أن وفاته كانت عام 1248هـ / 1832م.
أهمية التكملة :
بمقارنة ما جاء في كتابي عاكش الديباج الخسرواني وتكملة نفح العود ، نجد أن هذه التكملة ليست بذات كبير أهمية ؛ إذ بعد إيجاد مقارنة بين الكتابين ، تبين أن جل ما كتبه عاكش في التكملة كان نقلاً من كتابه الديباج يصل إلى حد النقل الحرفي دون تصرف ، وفي بعض الأحيان يقدم أو يؤخر أجزاء من النص مع الإبقاء التام بالمضمون ، بل إنه قام باختصار بعض الحوادث التاريخية ولم يوردها في التكملة ، كما قام بحذف الاستطرادات الدينية والأدبية التي زخر بها كتابه الديباج .
أضف الى ذلك فإننا إذا قارنا ما جاء في نفح العود ، وما جاء في التكملة ، نجد أن البهكلي في نفح العود كان غزيراً ودقيقاً في إيراد الحوادث مفصلة كبداية الصراع بين الشريف حمود والأمير عبدالوهاب أبو نقطة وقبول الشريف حمود الدخول في تبعية الدولة السعودية الأولى ، وإسهاماته في مد النفوذ السعودي في تهامة اليمن ، وذلك على النقيض تماماً من عاكش الذي اختزل الكثير من الحوادث ، ولعل هذا ما يفسر من أن البهكلي كان معاصراً لهذه الوقائع في حين كان عاكش ما يزال صغيرا إذ أنه ولد عام 1221هـ/ 1806م ، بالإضافة إلى أنه مضى وقت طويل بين وقوع هذه الحوادث وتاريخ تأليفه للديباج الذي استفاد من نصوصه في إكمال كتاب نفح العود .
وإذا كان من فائدة للتكملة ، فهي تقتصر على أنها ذيل لكتاب نفح العود ، ومن ثم يجد القارئ السهولة في قراءة تسلسل الحوادث والوقائع وإيجاد الربط فيما بينها .
خامساً- قمع المتجري على أولاد الشيخ بكري :
ما زال هذا الُمُؤَلَف مخطوطاً ، وهو يدخل في باب الأنساب ، حيث كتب عاكش رسالة في نسب أسرة بكري بن محمد العجيلي التي تنحدر منها اليوم عدة أسر ومنها آل الحفظي .
دواعي وأسباب تأليفها :
أوضح عاكش في مقدمته عن الأسباب التي دعته إلى تأليفها ، حيث ظهر أناس شككوا في نسب هذه الأسرة ، دون أي يكون لهم أدنى علم بتاريخها .
والحق ، فإن هذه الرسالة ليست بذات أهمية فيما يتصل بتاريخ المخلاف وإن كانت تكشف في ثناياها حقيقة مكانة الغيرة الدينية لدى مؤرخنا ، وكذلك طول باعه في علم الأنساب .

سادساً- الإتحاف في أنساب أشراف المخلاف :
يتعلق هذا المخطوط بنسب أشراف المخلاف السليماني ، وقد اعتمد فيه عاكش كما يظهر على مشجرات خاصة ، مدوناً فيها أغلب الفروع المتفرعة من نسل الحسنيين في سائر قرى المخلاف وهجره .
وصف المخطوط :
يتكون المخطوط من ثلاث وأربعين ورقة ، وهو مكتوب بخط نسخي جميل ويعود نسخه إلى عام 1285هـ/ 1868م ، وهو محفوظ في مكتبة الجامع الغربي بصنعاء ، غير أنه لم يتم فهرسته بعد .
أهمية المخطوط :
1- لعل من أهم ما تميز به هذا لمخطوط احتواؤه على معلومات تاريخية مهمة تتعلق بمدد وتسلسل حكم الأشراف الذين تعاقبوا على حكم المخلاف السليماني منذ القرن الخامس الهجري إلى عهده ، كما أنه ضم مادة علمية ثرية لبعض تراجم العلماء والأمراء .
2- احتوى المخطوط على مادة جغرافية تتعلق بمدن وقرى المخلاف ، من حيث تحديد مواقع البعض منها ، وذكر اختطاط مدن أخرى ،كم ضم حديثاً عن الزلازل في المنطقة .
3- حفظ المخطوط أنساب هذه الأسر ، وأبان عاكش الكثير من تفريعاتها إلى وقت زمنه .
وأود أن أرصد عدة حقائق عن مؤرخنا وهي أمور ظهرت لنا من خلال استقراء مؤلفاته ، وهي كالآتي :
1- لم يختلف منهج عاكش في الكتابة التاريخية ، عن منهج من سبقوه من مؤرخي المخلاف ، إذ قد جمع بين المنهج الحولي في تأريخ الحوادث التاريخية وبين منهج الموضوعات القائم على اختيار شخصيات سياسية كان محور الحوادث يدور حولهم. وإذا كان مؤرخو المخلاف قد نهجوا منهج التدوين المحلي في كتاباتهم التاريخية ؛ فإن عاكشًا قد نهج المنهج نفسه واتضح ذلك في كتابه الديباج الخسرواني .
2- تميز عاكش عمن سبقه من مؤرخي المخلاف في كتابة التراجم حيث سطر كتابين هما : حدائق الزهر وعقود الدرر ، وهو يُّعد بهذا العمل رائد هذا المجال دون مدافع .
3- في ضوء دراسة موارد عاكش التاريخية في مؤلفاته التاريخية نجد تنوع هذه الموارد وشموليتها ، إذ قد اشتملت على المصادر المكتوبة والروايات الشفوية وعلى معاصرة عاكش للحوادث التاريخية ، وهو أمر له دلالته المنهجية ، وهو حرص عاكش على استقصاء المعلومة التاريخية من مظانها المختلفة .
4- ومن خلال دراسة هذه الموارد - أيضًا- وَضُح اتصاف عاكش بالأمانة العلمية في الكتابة التاريخية ويتجلى ذلك بصورة عامة في ذكره لمصادر معلوماته ومادته التاريخية.
5- إجماع العلماء من مؤرخين وأدباء على المكانة العلمية التي تبوأها عاكش ، وظهر هذا الأمر جليًا في الألقاب التي أطلقها عليه علماء وأدباء عصره .
6- تحلى عاكش بصفات الحيدة والموضوعية في الكتابة التاريخية في معظم مؤلفاته بصورة عامة .
7- تميَّز عاكش بالنقد التاريخي وامتلاكه لحاسة نقدية عالية استطاع من خلالها تقييم تراجم أعلامه كما يظهر ذلك جلياً في كتابيه العقود والحدائق .
8- نهج عاكش أسلوبًا علميًا تميز بفصاحة الألفاظ وسلاسة العبارة واستقامتها بصورة عامة ، مع عدم إغفال النواحي الجمالية في الكتابة في عرض المادة التاريخية ، واتضح هذا الأمر جليًا في كتابه عقود الدرر .
9- القيمة العلمية لمؤلفات عاكش ، وظهر ذلك جليًا في اعتماد جل المؤرخين اللاحقين على مؤلفاته التاريخية لا سيما فيما يتعلق بتاريخ المخلاف السليماني وتهامة اليمن ، ومن أهمهم القنوجي والوشلي والعمودي .

وهناك كتاب نسب إلى عاكش غير أني أرى عدم صحة هذه النسبة .
- نبذة خاصة بفروع الأشراف آل الخواجي :
ظهرت في الآونة الأخيرة مخطوطات تتعلق بنسب بعض الأسر التي تولت حكم أجزاء من المخلاف السليماني خلال حقب تاريخية.
ومن بين هذه المخطوطات ، نبذة خاصة ألفت في نسب أسرة الأشراف آل الخواجي التي أعقبت أسرة القطبيين ، وهي تتكون من ثمان ورقات، كتبت بخط نسخي حسن ، يتراوح عدد أسطرها في الصفحة الواحدة ما بين تسعة الى عشرة أسطر .
وقد جاء في مقدمة هذا المخطوط ما نصه : " بطلب من الشريف الهمام أحمد بن علي بن حسين الخواجي..نقلت ما لفظه من خط شيخنا شيخ الإسلام العلامة الفهامة الحسن بن أحمد عاكش رحمه الله تعالى كما حقق من عرف خطه وعلم حاله من العدول، ولفظه من غير زيادة ولا نقصان وحسبنا الله وعليه التكلان ".
ومن خلال النص السابق تبين أن ناسخ المخطوط هو أحد تلامذة عاكش ، ويظهر ذلك جلياً ما عناه بقوله " من خط شيخنا شيخ الإسلام العلامة الفهامة الحسن بن أحمد عاكش" ، وجاء اسمه على أنه خالد بن علي البهكلي.
وحسبما ذُكر في هذا المخطوط أيضاً، فإن عاكشًا انتهى من جمعه في رجب عام 1263هـ / 1846م ، وقام خالد بن علي البهكلي بنقله عام 1324هـ/ 1906م .
ونشكك في نسبة المخطوط إلى عاكش لعدة أسباب يمكن رصدها في الآتي :
1- إنكار الشيخ القاضي يحيى بن أحمد بن محمد عاكش نسبة المخطوط إلى جده.
2- أن ناسخها هو خالد بن علي البهكلي المتوفى عام 1290هـ/ 1873م ، وجاء في آخر المخطوط أنه انتهى من فراغها عام 1324هـ/ 1906م ، فكيف يقوم بعملية النسخ وهو في عداد الأموات !
3- أضف إلى ذلك فإن عاكشًا لم يذكر - عندما تحدث عن أنساب الأسر الهاشمية في المخلاف - في كتابه الإتحاف إلى قيامه بتخصيص نبذة عن الأسرة الخواجية.
4- لم تذكر المصادر التي تصدت لترجمة عاكش أي إشارات إلى اسم هذا المخطوط ومن ثم نسبته إليه.

بواسطة : hashim
 1  0  5957
التعليقات ( 1 )

الترتيب بـ
الأحدث
الأقدم
الملائم
  • #1
    17-01-32 09:19 مساءً الهذلي :
    سلم يراعك ايها المؤرخ ، استقراء ورصد مثير ، واسلوب يأسر اللب والعقل .
-->